العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

استقبال خروفين في فندق

قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬للعاصمة‭ ‬السعودية‭ ‬الرياض‭ ‬عندما‭ ‬اتصل‭ ‬بي‭ ‬شاب‭ ‬ليبلغني‭ ‬بأن‭ ‬والده‭ ‬شيخ‭ ‬طاعن‭ ‬في‭ ‬السن،‭ ‬ويود‭ ‬استضافتي‭ ‬لـ«أتقهوى‮»‬‭ ‬معه،‭ ‬أي‭ ‬لشرب‭ ‬القهوة،‭ ‬ولبيتُ‭ ‬الدعوة‭ ‬واستقبلني‭ ‬الرجل‭ ‬بحفاوة‭ ‬بالغة،‭ ‬وسررت‭ ‬لأنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬جيل‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المحظوظين‭ ‬الذين‭ ‬دخلوا‭ ‬الكتاتيب‭ ‬وتعلموا‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬وجدته‭ ‬متابعاً‭ ‬واعياً‭ ‬لما‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويعرف‭ ‬كثيرا‭ ‬عما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬العربي،‭ ‬وأسعدني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ (‬طبعا‭) ‬أنه‭ ‬معجب‭ ‬بمقالاتي،‭ ‬وأنه‭ ‬يشاركني‭ ‬النفور‭ ‬من‭ ‬فاروق‭ ‬الفيشاوي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وغفر‭ ‬لي‭) ‬والكوسا‭ ‬والرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬المتجهم‭ ‬دائما‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭. ‬وكعادة‭ ‬البدو‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬التوجيهات‭ ‬لإحضار‭ ‬البارد‭ ‬والساخن‭ ‬والتمر‭. ‬ثم‭ ‬استدرك‭: ‬أنا‭ ‬أدري‭ ‬أنك‭ ‬تحب‭ ‬التمر‭.. ‬بس‭ ‬لا‭ ‬تكثر‭ ‬منه‭. ‬باختصار‭ ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬قرر‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬والتو‭ ‬أن‭ ‬خروفاً‭ ‬سيلقى‭ ‬مصرعه‭ ‬على‭ ‬شرفي،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬طالما‭ ‬أنك‭ ‬تقرأ‭ ‬لي‭ ‬فلابد‭ ‬إنك‭ ‬تعرف‭ ‬عني‭ ‬شيئين‭: ‬لا‭ ‬أشرب‭ ‬القهوة‭ ‬العربية،‭ ‬ولا‭ ‬أتعاطى‭ ‬الكبسة‭ ‬عمداً،‭ ‬فقاطعني‭: ‬وبحكم‭ ‬معرفتك‭ ‬بعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬شعوب‭ ‬الجزيرة‭ ‬والخليج‭ ‬فإنك‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬البدوي‭ ‬يعتبر‭ ‬رفض‭ ‬ضيفه‭ ‬القهوة‭ ‬‮«‬إهانة‮»‬،‭ ‬فقاطعته‭: ‬ولكنك‭ ‬بدوي‭ ‬حضري‭ ‬بحكم‭ ‬أنك‭ ‬قضيت‭ ‬معظم‭ ‬سنوات‭ ‬عمرك‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬والرياض،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أشرب‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬تركية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬فرنسية،‭ (‬وهذه‭ ‬حقيقة‭.. ‬وبالمناسبة‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أشجع‭ ‬عيالي‭ ‬على‭ ‬تعاطي‭ ‬المكيفات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الشاي‭ ‬وحالياً‭ ‬لا‭ ‬يشرب‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬عيالي‭ ‬الشاي‭ ‬أو‭ ‬القهوة‭).. ‬ثم‭ ‬أضفت‭: ‬وبكل‭ ‬سرور‭ ‬سأشرب‭ ‬عندك‭ ‬نحو‭ ‬ستة‭ ‬فناجين‭ ‬شاي‭ ‬بالتمر‭ ‬ولكنني‭ ‬أتوسل‭ ‬إليك‭ ‬ألا‭ ‬تذبح‭ ‬الخروف‭ ‬البريء‭ ‬بسببي،‭ ‬فضحك‭ ‬مضيفي‭ ‬البدوي‭ ‬وقرر‭ ‬إعفائي‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬وإعفاء‭ ‬الخروف‭ ‬من‭ ‬الذبح‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬آخذه‭ (‬الخروف‭) ‬معي،‭ ‬فغمز‭ ‬لي‭ ‬ولده‭ ‬بعينه،‭ ‬ففهمت‭ ‬قصده،‭ ‬وقبلت‭ ‬العرض،‭ ‬وأنا‭ ‬أتخيل‭ ‬موظفي‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقبال‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬وهم‭ ‬يرونني‭ ‬أدخل‭ ‬الفندق‭ ‬مصطحباً‭ ‬خروفاً‭.. ‬وعندما‭ ‬غادرت‭ ‬بيت‭ ‬صاحبي‭ ‬البدوي‭ ‬والحضري‭ ‬اصطحبنا‭ ‬الخروف‭ ‬ولكن‭ ‬ابنه‭ ‬كان‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المتعذر‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬آخذه‭ ‬معي‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬سيتصرف‮»‬‭. ‬و«المصيبة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬اكتشف‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتسلم‭ ‬الخروف،‭ ‬وفوجئت‭ ‬بعدها‭ ‬بيومين‭ ‬بموظف‭ ‬الاستقبال‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬ماريوت‭ ‬يقول‭ ‬لي‭ ‬إن‭ ‬ضيفا‭ ‬في‭ ‬انتظاري‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬الفندق،‭ ‬وهرعت‭ ‬الى‭ ‬ضيفي‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬شيخنا‭ ‬البدوي‭ ‬الذي‭ ‬حياني‭ ‬باقتضاب‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬الخروف‭ ‬بره‭ ‬في‭ ‬‮«‬البيكم‮»‬،‭ ‬وسحبني‭ ‬من‭ ‬يدي‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬الشاحنة‭ ‬الصغيرة‭ ‬ووجدت‭ ‬في‭ ‬صندوقها‭ ‬الخلفي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الخروف‭ ‬خروفين،‭ ‬ولم‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬شكره‭ ‬بحرارة‭ ‬و«حيرة‮»‬‭ ‬وقبول‭ ‬الهدية،‭ ‬وتم‭ ‬إنزال‭ ‬الخروفين‭ ‬في‭ ‬مدخل‭ ‬الفندق‭ ‬وجاءني‭ ‬‮«‬الفرج‮»‬‭ ‬من‭ ‬موظف‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬سيتولى‭ ‬أمر‭ ‬ذبحهما‭ ‬وإقامة‭ ‬وليمة‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أدعو‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أشاء،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ (‬ولاحقا‭ ‬أبلغت‭ ‬صاحبي‭ ‬البدوي‭ ‬بالأمر‭ ‬فسعد‭ ‬كثيرا‭ ‬وعفا‭ ‬عني‭).‬

ويا‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬أقولكم‭ ‬للمرة‭ ‬الـ837664‭ ‬إن‭ ‬مشكلتي‭ ‬الأساسية‭ ‬مع‭ ‬القهوة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أستمتع‭ ‬برائحتها‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬السكر،‭ ‬ونحن‭ ‬أهل‭ ‬السودان‭ ‬لا‭ ‬نشرب‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬إلا‭ ‬‮«‬حلوة‮»‬‭. ‬والسوداني‭ ‬المصاب‭ ‬بالسكري‭ ‬يشرب‭ ‬كوب‭ ‬الشاي‭ ‬بملعقتين‭ ‬من‭ ‬السكر،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فنحن‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الشعوب‭ ‬رشاقة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬البدانة‭ ‬غير‭ ‬متفشية‭ ‬بيننا‭. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬خاطبني‭ ‬عامل‭ ‬البوفيه‭ ‬الآسيوي‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬زرتها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭: ‬أرباب‭ ‬يريد‭ ‬شاي‭ ‬بسكر‭ ‬سوداني‭ ‬وللا‭ ‬آدي‭ (‬عادي‭).. ‬وصار‭ ‬حبنا‭ ‬للسكر‭ ‬في‭ ‬المشروبات‭ ‬الساخنة‭ ‬مادة‭ ‬للتندر‭ ‬مثل‭ ‬كسلنا‭ ‬المزعوم،‭ ‬ولكن‭ ‬ها‭ ‬هو‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬السكر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المشروبات‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الوزن‭ ‬بل‭ ‬العكس،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬يتناولونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سكر‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للسمنة‭.. ‬والدليل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬السودانيين‭ ‬أكثر‭ ‬رشاقة‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬شعوب‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬وإذا‭ ‬قابلت‭ ‬سودانياً‭ ‬بكرش‭ ‬فهو‭ ‬إما‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬ويشرب‭ ‬قهوتها،‭ ‬أو‭ ‬يعاني‭ ‬سمنة‭ ‬وراثية،‭ (‬وهؤلاء‭ ‬أقلية‭) ‬وإما‭... ‬حرامية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا