زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
استقبال خروفين في فندق
قبل ثلاثة أعوام كنت في زيارة للعاصمة السعودية الرياض عندما اتصل بي شاب ليبلغني بأن والده شيخ طاعن في السن، ويود استضافتي لـ«أتقهوى» معه، أي لشرب القهوة، ولبيتُ الدعوة واستقبلني الرجل بحفاوة بالغة، وسررت لأنه ينتمي إلى جيل لم يعرف التعليم النظامي، وكان من المحظوظين الذين دخلوا الكتاتيب وتعلموا القراءة والكتابة، ومع هذا فقد وجدته متابعاً واعياً لما يرد في وسائل الإعلام، وما يدور في العالم، ويعرف كثيرا عما يدور في محيطه العربي، وأسعدني على نحو خاص (طبعا) أنه معجب بمقالاتي، وأنه يشاركني النفور من فاروق الفيشاوي (رحمه الله وغفر لي) والكوسا والرئيس الروسي المتجهم دائما فلاديمير بوتين. وكعادة البدو بدأ في إصدار التوجيهات لإحضار البارد والساخن والتمر. ثم استدرك: أنا أدري أنك تحب التمر.. بس لا تكثر منه. باختصار كان الرجل قد قرر في اللحظة والتو أن خروفاً سيلقى مصرعه على شرفي، فقلت له: طالما أنك تقرأ لي فلابد إنك تعرف عني شيئين: لا أشرب القهوة العربية، ولا أتعاطى الكبسة عمداً، فقاطعني: وبحكم معرفتك بعادات وتقاليد شعوب الجزيرة والخليج فإنك تعرف أن البدوي يعتبر رفض ضيفه القهوة «إهانة»، فقاطعته: ولكنك بدوي حضري بحكم أنك قضيت معظم سنوات عمرك في المدينة المنورة والرياض، وعلى كل حال فإنني لا أشرب أي نوع من القهوة تركية كانت أو فرنسية، (وهذه حقيقة.. وبالمناسبة فإنني لا أشجع عيالي على تعاطي المكيفات بما في ذلك الشاي وحالياً لا يشرب أي من عيالي الشاي أو القهوة).. ثم أضفت: وبكل سرور سأشرب عندك نحو ستة فناجين شاي بالتمر ولكنني أتوسل إليك ألا تذبح الخروف البريء بسببي، فضحك مضيفي البدوي وقرر إعفائي من القهوة وإعفاء الخروف من الذبح مقابل أن آخذه (الخروف) معي، فغمز لي ولده بعينه، ففهمت قصده، وقبلت العرض، وأنا أتخيل موظفي الأمن والاستقبال في الفندق الذي كنت أقيم فيه في الرياض وهم يرونني أدخل الفندق مصطحباً خروفاً.. وعندما غادرت بيت صاحبي البدوي والحضري اصطحبنا الخروف ولكن ابنه كان يعلم أنه من المتعذر عليَّ أن آخذه معي وقال إنه «سيتصرف». و«المصيبة» أن الرجل اكتشف أنني لم أتسلم الخروف، وفوجئت بعدها بيومين بموظف الاستقبال في فندق ماريوت يقول لي إن ضيفا في انتظاري في بهو الفندق، وهرعت الى ضيفي فإذا به شيخنا البدوي الذي حياني باقتضاب ثم قال لي: الخروف بره في «البيكم»، وسحبني من يدي إلى حيث الشاحنة الصغيرة ووجدت في صندوقها الخلفي بدلا من الخروف خروفين، ولم أتردد في شكره بحرارة و«حيرة» وقبول الهدية، وتم إنزال الخروفين في مدخل الفندق وجاءني «الفرج» من موظف في الفندق قال إنه سيتولى أمر ذبحهما وإقامة وليمة أستطيع أن أدعو لها من أشاء، وقد كان (ولاحقا أبلغت صاحبي البدوي بالأمر فسعد كثيرا وعفا عني).
ويا أهل الخليج أقولكم للمرة الـ837664 إن مشكلتي الأساسية مع القهوة العربية التي أستمتع برائحتها هي أنها خالية من السكر، ونحن أهل السودان لا نشرب الشاي والقهوة إلا «حلوة». والسوداني المصاب بالسكري يشرب كوب الشاي بملعقتين من السكر، ومع هذا فنحن من أكثر الشعوب رشاقة، بمعنى أن البدانة غير متفشية بيننا. وكثيرا ما خاطبني عامل البوفيه الآسيوي في مكاتب زرتها في منطقة الخليج: أرباب يريد شاي بسكر سوداني وللا آدي (عادي).. وصار حبنا للسكر في المشروبات الساخنة مادة للتندر مثل كسلنا المزعوم، ولكن ها هو العلم الحديث يثبت أن استخدام السكر في تلك المشروبات لا يؤدي إلى زيادة الوزن بل العكس، فإن من يتناولونها من دون سكر أكثر عرضة للسمنة.. والدليل هو أن السودانيين أكثر رشاقة من بقية شعوب الجامعة العربية وإذا قابلت سودانياً بكرش فهو إما يعيش في منطقة الخليج ويشرب قهوتها، أو يعاني سمنة وراثية، (وهؤلاء أقلية) وإما... حرامية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك