هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
«طالبان» تنتهك إنسانية المرأة الأفغانية
كل الخطوات والإجراءات التي أقدمت عليها حركة «طالبان» الرجعية الأفغانية بعد عودتها إلى الحكم في كابول في شهر أغسطس عام 2021 بعد الرحيل الفوضوي للقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد احتلال دام عشرين عاما لهذا البلد، كل هذه الخطوات والإجراءات فيما يتعلق بوضع المرأة الأفغانية، هي بمثابة عدوة كاملة لما اتخذته الحركة من إجراءات وتدابير وما سنته من قوانين خلال فترة حكمها الأولى التي امتدت خلال الفترة من عام 1996 حتى عام 2001، فالحركة تؤكد مجددا خلال حكمها الحالي لأفغانستان أنها لن تسمح للفتيات بالدراسة في المدارس الثانوية والجامعات، بل منعهن من العمل في المكاتب الحكومية والمنظمات غير الحكومية، كما هو الحال مع قرار منع الأفغانيات من العمل مع بعثات الأمم المتحدة في أفغانستان.
بعد تمكنها من العودة مرة أخرى إلى حكم أفغانستان بسبب الانسحاب الفوضوي الأمريكي والغربي، حاولت الحركة تقديم صورة مغايرة عن صورتها المعروفة خلال سنوات حكمها الأول، فقد كانت في أمس الحاجة إلى الاعتراف الدولي بشرعية حكمها، لكن جميع دول العالم تقريبا، وبدرجات متفاوتة، كانت حذرة من التعامل مع هذه الحركة، وهذا الحذر كان في محله تماما، فالحركة لم تأبه بمواقف الرأي العام العالمي المنتقدة لمواقفها تجاه المرأة الأفغانية، إذ أعادت تدريجيا فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية، كما كانت عليه تماما خلال حكمها الأول.
طبيعة الحكم الذي تطبقه حركة «طالبان» لا يمت بأي صلة للشريعة الإسلامية، وخاصة فيما يتعلق بحق التعليم والعمل بالنسبة إلى المرأة، فليست هناك على وجه الكرة الأرضية دولة إسلامية واحدة تحرم الفتيات من الدراسة في جميع المراحل التعليمية، المدرسية منها والجامعية، وكذا الحال مع العمل، حيث تمارس المرأة في جميع الدول الإسلامية مختلف أنواع المهن وأصبحت عنصرا مهما ورئيسيا في التنمية الوطنية في بلدانها، الأمر الذي يؤكد أن تفسير وقراءة زعماء «طالبان» للشريعة الإسلامية، هي قراءة خاطئة، بل تشوه صورة التعاليم الإسلامية تماما.
موقف حركة «طالبان» من تعليم الفتيات وعملهن، لا يقل في حجم تشويهه للتعاليم الإسلامية، عن ذلك الضرر الذي ألحقته الحركات المتطرفة التي اتخذت من الإسلام شعارا ونهجا لتبرير أعمالها الإجرامية، كما تفعل على سبيل المثال لا الحصر ما تسمى بــ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وغيرها من الحركات التي تسببت في تشويه صورة الإسلام وتعاليمه لدى العديد من الشعوب غير المسلمة، وأسهمت في خلق «الإسلاموفوبيا»، التي تبنتها الحركات اليمينية المتطرفة في العديد من الدول غير الإسلامية، وخاصة الدول الغربية.
عندما تحرم حركة «طالبان» الفتيات الأفغانيات من مواصلة دراستهن في جميع المراحل المدرسية، وتحرمهن أيضا من الالتحاق بالجامعات، فمن أين ستأتي الحركة، التي تقول إنها تقود «دولة كاملة المؤسسات»، على سبيل المثال، من أين ستأتي بالطبيبات، ليتولين مهمة معاينة وعلاج النساء والفتيات الأفغانيات؟ أم أن الحركة ستسمح للأطباء الرجال بالقيام بمثل هذه المهمة الطبية الإنسانية؟ فالحركة لا تسمح بأي شكل من اشكال الاختلاط بين المرأة والرجل، وبالتالي من المؤكد أنها لن تسمح للأطباء الرجال بمعاينة ومعالجة المريضات الأفغانيات.
في ظل حكم هذه الحركة الرجعية، لا يبدو أن هناك أي بارقة أمل أمام الفتيات الأفغانيات للخروج من هذا الكابوس الذي وجدن أنفسهن فيه بعد ما يقارب العشرين عاما من تنفسهن الهواء النقي في بلادهن، وانخراطهن في مختلف المراحل التعليمية المدرسية والجامعية والتحاقهن بجميع الوظائف المتوافرة أمامهن من دون أي عوائق جندرية، فالنساء الأفغانيات ليس أمامهن من سبيل سوى العمل على كسر طوق هذا الكابوس بشتى الوسائل الممكنة والمتاحة، ولكنهن بأمس الحاجة إلى الدعم والمساعدة من الشرائح المجتمعية الأفغانية التي ترفض حكم «طالبان»، بجانب حاجتهم إلى دعم مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
فالمرأة الأفغانية تعيش في ظروف قاسية تحت حكم حركة «طالبان»، وهذه الحركة لن تتزحزح عن مواقفها المتطرفة، طالما أنها تتلقى إشارات غزل من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، والتي تعتبرها الحركة بمثابة ثغرة يمكن لها النفاذ منها إلى الساحة الدولية، دعم الاحتياجات الإنسانية للشعب الأفغاني شيء، وتمكين الحركة من التواجد في الساحة الدولية شيء آخر، فهذه الحركة يجب أن تبقى معزولة سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا، هذا أقل ما يمكن تقديمه من دعم لمختلف مكونات الشعب الأفغاني، وفي المقدمة النساء الأفغانيات، فهن الضحايا المفضلة لقيادة هذه الحركة الرجعية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك