العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

«طالبان» تنتهك إنسانية المرأة الأفغانية

كل‭ ‬الخطوات‭ ‬والإجراءات‭ ‬التي‭ ‬أقدمت‭ ‬عليها‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬الرجعية‭ ‬الأفغانية‭ ‬بعد‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬كابول‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل‭ ‬الفوضوي‭ ‬للقوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وقوات‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬دام‭ ‬عشرين‭ ‬عاما‭ ‬لهذا‭ ‬البلد،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬والإجراءات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بوضع‭ ‬المرأة‭ ‬الأفغانية،‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬عدوة‭ ‬كاملة‭ ‬لما‭ ‬اتخذته‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬إجراءات‭ ‬وتدابير‭ ‬وما‭ ‬سنته‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬حكمها‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1996‭  ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬فالحركة‭ ‬تؤكد‭ ‬مجددا‭ ‬خلال‭ ‬حكمها‭ ‬الحالي‭ ‬لأفغانستان‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬للفتيات‭ ‬بالدراسة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬والجامعات،‭ ‬بل‭ ‬منعهن‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬الحكومية‭ ‬والمنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭  ‬قرار‭ ‬منع‭ ‬الأفغانيات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬بعثات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬

بعد‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬العودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬أفغانستان‭ ‬بسبب‭ ‬الانسحاب‭ ‬الفوضوي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والغربي،‭ ‬حاولت‭ ‬الحركة‭ ‬تقديم‭ ‬صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬عن‭ ‬صورتها‭ ‬المعروفة‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬حكمها‭ ‬الأول،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدولي‭ ‬بشرعية‭ ‬حكمها،‭ ‬لكن‭ ‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريبا،‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة،‭ ‬كانت‭ ‬حذرة‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحركة،‭ ‬وهذا‭ ‬الحذر‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬محله‭ ‬تماما،‭ ‬فالحركة‭ ‬لم‭ ‬تأبه‭ ‬بمواقف‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬المنتقدة‭ ‬لمواقفها‭ ‬تجاه‭ ‬المرأة‭ ‬الأفغانية،‭ ‬إذ‭ ‬أعادت‭ ‬تدريجيا‭ ‬فرض‭ ‬تفسيرها‭ ‬المتشدد‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬تماما‭ ‬خلال‭ ‬حكمها‭ ‬الأول‭.‬

طبيعة‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬تطبقه‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يمت‭ ‬بأي‭ ‬صلة‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بحق‭ ‬التعليم‭ ‬والعمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المرأة،‭ ‬فليست‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬دولة‭ ‬إسلامية‭ ‬واحدة‭ ‬تحرم‭ ‬الفتيات‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية،‭ ‬المدرسية‭ ‬منها‭ ‬والجامعية،‭ ‬وكذا‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬تمارس‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المهن‭ ‬وأصبحت‭ ‬عنصرا‭ ‬مهما‭ ‬ورئيسيا‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بلدانها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬تفسير‭ ‬وقراءة‭ ‬زعماء‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬للشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬هي‭ ‬قراءة‭ ‬خاطئة،‭ ‬بل‭ ‬تشوه‭ ‬صورة‭ ‬التعاليم‭ ‬الإسلامية‭ ‬تماما‭.‬

موقف‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬الفتيات‭ ‬وعملهن،‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬تشويهه‭ ‬للتعاليم‭ ‬الإسلامية،‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬ألحقته‭ ‬الحركات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬شعارا‭ ‬ونهجا‭ ‬لتبرير‭ ‬أعمالها‭ ‬الإجرامية،‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬ما‭ ‬تسمى‭ ‬بــ«الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‮»‬‭ (‬داعش‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬الإسلام‭ ‬وتعاليمه‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬غير‭ ‬المسلمة،‭ ‬وأسهمت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬الحركات‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وخاصة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭. ‬

عندما‭ ‬تحرم‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬‭ ‬الفتيات‭ ‬الأفغانيات‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬دراستهن‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المراحل‭ ‬المدرسية،‭ ‬وتحرمهن‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالجامعات،‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬ستأتي‭ ‬الحركة،‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬تقود‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬المؤسسات‮»‬،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬ستأتي‭ ‬بالطبيبات،‭ ‬ليتولين‭ ‬مهمة‭ ‬معاينة‭ ‬وعلاج‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬الأفغانيات؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬ستسمح‭ ‬للأطباء‭ ‬الرجال‭ ‬بالقيام‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الطبية‭ ‬الإنسانية؟‭ ‬فالحركة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬اشكال‭ ‬الاختلاط‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬للأطباء‭ ‬الرجال‭ ‬بمعاينة‭ ‬ومعالجة‭ ‬المريضات‭ ‬الأفغانيات‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الرجعية،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬أمام‭ ‬الفتيات‭ ‬الأفغانيات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬الذي‭ ‬وجدن‭ ‬أنفسهن‭ ‬فيه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬تنفسهن‭ ‬الهواء‭ ‬النقي‭ ‬في‭  ‬بلادهن،‭ ‬وانخراطهن‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المراحل‭ ‬التعليمية‭ ‬المدرسية‭ ‬والجامعية‭ ‬والتحاقهن‭ ‬بجميع‭ ‬الوظائف‭ ‬المتوافرة‭ ‬أمامهن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬عوائق‭ ‬جندرية،‭ ‬فالنساء‭ ‬الأفغانيات‭ ‬ليس‭ ‬أمامهن‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬طوق‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭ ‬والمتاحة،‭ ‬ولكنهن‭ ‬بأمس‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الدعم‭ ‬والمساعدة‭ ‬من‭ ‬الشرائح‭ ‬المجتمعية‭ ‬الأفغانية‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬حكم‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬،‭ ‬بجانب‭ ‬حاجتهم‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭.‬

فالمرأة‭ ‬الأفغانية‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬قاسية‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬طالبان‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الحركة‭ ‬لن‭ ‬تتزحزح‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬المتطرفة،‭ ‬طالما‭ ‬أنها‭ ‬تتلقى‭ ‬إشارات‭ ‬غزل‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبرها‭ ‬الحركة‭ ‬بمثابة‭ ‬ثغرة‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬النفاذ‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية،‭ ‬دعم‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الإنسانية‭ ‬للشعب‭ ‬الأفغاني‭ ‬شيء،‭ ‬وتمكين‭ ‬الحركة‭ ‬من‭ ‬التواجد‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬فهذه‭ ‬الحركة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬معزولة‭ ‬سياسيا‭ ‬ودبلوماسيا‭ ‬واقتصاديا،‭ ‬هذا‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تقديمه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬لمختلف‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬الأفغاني،‭ ‬وفي‭ ‬المقدمة‭ ‬النساء‭ ‬الأفغانيات،‭ ‬فهن‭ ‬الضحايا‭ ‬المفضلة‭ ‬لقيادة‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الرجعية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا