العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كيف أسأت الظن بالفرنسية

سبحان‭ ‬الله،‭ ‬يعيش‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬طول‭ ‬عمره،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الشكوى‭ ‬منهم‭: ‬أجلاف‭.. ‬متخلفون‭.. ‬متعنطزون‭.. ‬على‭ ‬الهبشة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬سريع‭ ‬الاشتعال‭ ‬والانفعال،‭ ‬ثم‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬عاصمة‭ ‬أوروبية‭ ‬مثلا،‭ ‬فتحس‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬كلما‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬حولك‭ ‬آلافا‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬منجذبا‭ ‬إليهم،‭ ‬وهم‭ ‬منجذبون‭ ‬إليك‭.. ‬منتهى‭ ‬البشاشة،‭ ‬انت‭ ‬منهم،‭ ‬وهم‭ ‬منك‭.. ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬يعرفونك‭ ‬يهتفون‭ ‬كلما‭ ‬مروا‭ ‬بك‭: ‬يا‭ ‬هلا‭.. ‬حي‭ ‬الله‭.. ‬السلام‭ ‬عليكم‭.. ‬منتهى‭ ‬المودة‭ ‬والذوق،‭ ‬وخلال‭ ‬زيارة‭ ‬للندن‭ ‬رأيت‭ ‬عربياً‭ ‬سرقت‭ ‬حافظة‭ ‬نقوده‭ ‬فجلس‭ ‬على‭ ‬الرصيف‭ ‬يبكي‭.. ‬توقف‭ ‬عنده‭ ‬شخصان،‭ ‬ثم‭ ‬خمسة،‭ ‬ثم‭ ‬عشرة،‭ ‬وأدخل‭ ‬أحدهم‭ ‬يده‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬وقدم‭ ‬له‭ ‬ورقة‭ ‬مالية،‭ ‬وحذا‭ ‬الآخرون‭ ‬حذوه،‭ ‬وخلال‭ ‬دقائق‭ ‬كان‭ ‬نحو‭ ‬أربعين‭ ‬عربياً‭ ‬مروا‭ ‬مصادفة‭ ‬بذلك‭ ‬المكان‭ ‬قد‭ ‬تبرعوا‭ ‬للرجل‭ ‬المنكوب‭ ‬حتى‭ ‬ارتفع‭ ‬صوته‭ ‬بالبكاء‭ ‬الذي‭ ‬يرطب‭ ‬القلب‭: ‬شكرا‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭.. ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬اللي‭ ‬جمعتموه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللي‭ ‬انسرق‭ ‬مني،‭ ‬وكان‭ ‬مشهداً‭ ‬رائعاً‭ ‬عندما‭ ‬عانق‭ ‬الرجل‭ ‬أولئك‭ ‬العشرات‭ ‬ونال‭ ‬من‭ ‬البوسات‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬النقود‭. ‬

على‭ ‬ذكر‭ ‬البوسات،‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬مرارا‭ ‬أن‭ ‬ناشدت‭ ‬أصدقائي‭ ‬الخليجيين‭ ‬عدم‭ ‬بوسي‭ ‬عند‭ ‬تبادل‭ ‬التحية‭ ‬معي،‭ ‬وقد‭ ‬تكرم‭ ‬الراحل‭ ‬النبيل‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي‭ -‬جعل‭ ‬الله‭ ‬قبره‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‭- ‬وكتب‭ ‬مقالاً‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬المجلة‭) ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬لا‭ ‬يبوس‭ ‬ولا‭ ‬ينباس،‭ ‬طبعاً‭ ‬قالها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التريقة‭ ‬والتطنز،‭ ‬ولكنني‭ ‬رحبت‭ ‬بتلك‭ ‬التريقة،‭ ‬لأن‭ (‬الرسالة‭) ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬كثيرين،‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬موظفة‭ ‬الاستقبال‭ ‬في‭ ‬الفندق‭ ‬لأسألها‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬المدينة،‭ ‬فطفقت‭ ‬تبرطم‭ ‬بالفرنسية،‭ ‬وتردد‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬بوس‭ ‬تروا‮»‬،‭ ‬و«بوس‭ ‬ست‮»‬،‭ ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬بالعربية‭: ‬يا‭ ‬قليلة‭ ‬الحياء‭.. ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬بتاع‭ ‬حاجات‭ ‬زي‭ ‬دي‭.. ‬أنا‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬بن‭ ‬عباس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يبوس‭ ‬ولا‭ ‬ينباس،‭ ‬وتأتين‭ ‬أنت‭ ‬أيتها‭ ‬الفرنسية‭ ‬الملسوعة‭ ‬المزلوعة‭ ‬الكلكوعة‭ ‬لتعرضي‭ ‬علي‭ (‬بوس‭ ‬تروا‭).. ‬ثلاث‭ ‬بوسات،‭ ‬ثم،‭ ‬وبكل‭ ‬بجاحة‭ ‬ووقاحة‭ ‬تضاعفين‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ (‬بوس‭ ‬ست‭) ‬أي‭ ‬ست‭ ‬قبلات‭/ ‬بوسات‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬كي‭ ‬يتسنى‭ ‬لك‭ ‬التباهي‭ ‬بأنك‭ ‬فزت‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬حفيد‭ ‬عنترة‭ ‬فارس‭ ‬بني‭ ‬عبس،‭ ‬وتزعمي‭ ‬أنك‭ ‬نلت‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تنله‭ ‬عبلة‭ ‬الهبلة‭ ‬من‭ ‬جده‭ ‬عنترة؟‭ ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬فإن‭ ‬إحدى‭ ‬ابنتيّ‭ ‬تجيد‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ولكنها‭ ‬خجولة،‭ ‬ولا‭ ‬تحب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الغرباء،‭ ‬ولكنني‭ ‬استنجدت‭ ‬بها،‭ ‬بل‭ ‬بكل‭ ‬صراحة‭ ‬أمرتها‭ ‬أن‭ ‬تهبّ‭ ‬لتدافع‭ ‬عن‭ ‬‮«‬شرف‭ ‬بابا‮»‬،‭ ‬وحكيت‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬فضحكت‭ ‬وقالت‭: ‬ما‭ ‬تخاف‭ ‬يا‭ ‬أبوي،‭ ‬لن‭ ‬تبوس‭ ‬ولن‭ ‬تنباس،‭ ‬لأن‭ (‬بوس‭) ‬بالفرنسية‭ ‬تعني‭ (‬باص‭ / ‬حافلة‭) ‬وكانت‭ ‬تحدثك‭ ‬عن‭ ‬ركوب‭ ‬البوس‭ ‬رقم‭ ‬ثلاثة،‭ ‬ثم‭ ‬رقم‭ ‬ست‭ ‬أي‭ ‬سبعة‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬ستة‮»‬‭ ‬كما‭ ‬ظننت‭. ‬

الأحكام‭ ‬المسبقة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬والأفراد‭ ‬توقع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحرج‭ ‬والخطأ‭. ‬ففرنسا‭ ‬في‭ ‬الخيال‭ ‬العربي‭ ‬هي‭ ‬بلد‭ ‬العري‭ ‬والجنس‭ ‬والتبرج،‭ ‬وهكذا‭ ‬أسأت‭ ‬الظن‭ ‬بفتاة‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬مساعدتي،‭ ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬ديزني‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬الحمامات‭ ‬الرجالية،‭ ‬وفوجئت‭ ‬بسيدتين‭ ‬تقفان‭ ‬بداخلها،‭ ‬فظننت‭ ‬أنني‭ ‬أخطأت‭ -‬ولي‭ ‬سوابق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬بسبب‭ ‬تشتت‭ ‬الذهن‭ ‬وعدم‭ ‬التركيز‭- ‬فانسحبت‭ ‬وأنا‭ ‬أحسّ‭ ‬بالحرج‭ ‬ودخلت‭ ‬إلى‭ ‬الحمامات‭ (‬المقابلة‭) ‬وهناك‭ ‬وجدت‭ ‬طابورا‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬يبتسمن‭ ‬في‭ ‬وجهي،‭ ‬وفهمت‭ ‬من‭ ‬برطمتهن‭ ‬أنني‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الحمام‭ ‬الخطأ‭ ‬وخرجت‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬السمسمة،‭ ‬ونظرت‭ ‬إلى‭ ‬لافتة‭ ‬الحمامات‭ ‬التي‭ ‬دخلتها‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى،‭ ‬فوجدت‭ ‬أنها‭ ‬فعلاً‭ ‬رجالية،‭ ‬ولكن‭ ‬المرأتين‭ ‬كانتا‭ ‬لا‭ ‬تزالان‭ ‬تقفان‭ ‬أمام‭ ‬أحواض‭ ‬الغسيل‭ ‬هناك‭.. ‬كانتا‭ ‬عاملتي‭ ‬نظافة،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬أدخل‭ ‬تلك‭ ‬الحمامات‭: ‬يا‭ ‬فرنسيين‭ ‬يا‭ ‬بتوع‭ ‬الحضارة،‭ ‬لماذا‭ ‬تكلفون‭ ‬نساء‭ ‬بتنظيف‭ ‬حمامات‭ ‬الرجال؟‭ ‬ويا‭ ‬رجال‭ ‬أوروبا‭ ‬المتحضرة،‭ ‬كيف‭ ‬تدخلون‭ ‬حمامات‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬أبوابها‭ ‬نساء‭ ‬مندمجات‭ ‬في‭ ‬الونسة؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا