العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

السودان يدمر بأيدي أبنائه

أيًا‭ ‬تكن‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬الدموية‭ ‬المؤسفة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬السودان‭ ‬الشقيق‭ ‬بسبب‭ ‬الاشتباكات‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬وعن‭ ‬ضلوع‭ ‬أياد‭ ‬خارجية‭ ‬‮«‬خفية‮»‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬وهذه‭ ‬الأيدي‭ ‬الخارجية،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬تأثيرها،‭ ‬ليست‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬هذا‭ ‬الحريق‭ ‬المدمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬استمراره‭ ‬أن‭ ‬يشعل‭ ‬السودان‭ ‬بأكمله‭ ‬ويدخله‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬مظلم‭ ‬سيبقى‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الخروج‭ ‬منه،‭ ‬وإن‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬سيدفعه‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭  ‬الشقيق،‭ ‬سيكون‭ ‬فادحا‭ ‬جدا،‭ ‬لن‭ ‬يقل‭ ‬فداحة‭ ‬عن‭ ‬ثمن‭ ‬تجزئة‭ ‬وتقسيم‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬سودانين،‭ ‬فما‭ ‬يجري‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬البلد‭ ‬الشقيق‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مناوشات‭ ‬عنيفة‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬متخاصمين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬جيشين‭ ‬مدججين‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الخفيفة‭ ‬والثقيلة‭.‬

ما‭ ‬هو‭ ‬مؤكد‭ ‬أن‭ ‬سنوات‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬المخلوع‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬عام‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬الشرعي‭ ‬المنتخب‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬حين‭ ‬أطاحت‭ ‬الثورة‭ ‬الشعبية‭ ‬بالحكم‭ ‬الاستبدادي‭ ‬الديكتاتوري،‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬سنوات‭ ‬ذلك‭ ‬الحكم‭ ‬المستبد‭ ‬الذي‭ ‬أقفل‭  ‬جميع‭ ‬أبواب‭ ‬التطور‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬مختلف‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬السودانية‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬أهلية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة،‭ ‬وفرط‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬السوداني‭ ‬حين‭ ‬اقترح‭ ‬على‭ ‬قيادة‭ ‬الحركة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتحرير‭ ‬السودان‭ ‬بقيادة‭ ‬الراحل‭ ‬جون‭ ‬قرنق،‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وهذه‭ ‬الدولة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬الحركة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

فالأطراف‭ ‬السودانية‭ ‬المتصارعة،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬فلول‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬جميعها‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬خارجية،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬وقوف‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي،‭ ‬فهذه‭ ‬الأطراف‭ ‬لها‭ ‬أجنداتها‭ ‬الحزبية‭ ‬والفئوية‭ ‬الضيقة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تضع‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لمصالح‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬قتيل‭ ‬وإصابة‭ ‬حوالي‭ ‬ألف‭ ‬وأربعمائة‭ ‬آخرين‭ ‬بجروح‭ ‬مختلفة‭.‬

حتى‭ ‬الآن‭ ‬فإن‭ ‬جميع‭ ‬محاولات‭ ‬إقناع‭ ‬طرفي‭ ‬النزاع‭ ‬بوقف‭ ‬الاقتتال‭ ‬والاحتكام‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬العقل‭ ‬ومراعاة‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬جميعها‭ ‬باءت‭ ‬بالفشل‭ ‬بسبب‭ ‬تمسك‭ ‬الطرفين‭ ‬بمواقفهما‭ ‬المتعنتة‭ ‬وإصرار‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬هدفا‭ ‬مشروعا،‭ ‬وهذا‭ ‬الفشل‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬تدخلات‭ ‬خارجية،‭ ‬وإنما‭ ‬بسبب‭ ‬المواقف‭ ‬الخاطئة‭ ‬للطرفين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬عدم‭ ‬وضعهما‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لمصالح‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني،‭ ‬ولمستقبل‭ ‬السودان‭ ‬بأكمله،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجر‭ ‬أطرافا‭ ‬سودانية‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬الاقتتال‭ ‬وبالتالي‭ ‬يحمل‭ ‬ذلك‭ ‬تهديدا‭ ‬خطيرا‭ ‬للنسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬السوداني‭ ‬الهش‭.‬

مهما‭ ‬حاول‭ ‬طرفا‭ ‬الصراع‭ ‬إثبات‭ ‬صحة‭ ‬موقف‭ ‬كل‭ ‬منهما،‭ ‬فإن‭ ‬انخراطهما‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬دموي‭ ‬بالحدة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬الجميع،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬كفيل‭ ‬بتحميلهما‭ ‬المسؤولية‭ ‬كاملة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬وراءه‭ ‬قضية‭ ‬وطنية‭ ‬عادلة‭ ‬يمكن‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬والقتال‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬وإنما‭ ‬تقف‭ ‬وراءه‭ ‬مصالح‭ ‬فئوية‭ ‬ضيقة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مصالح‭ ‬خارجية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬بالمصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬السودانية،‭ ‬وإصرار‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭ ‬حتى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬تفجر‭ ‬الصراع‭ ‬بينهما،‭ ‬يؤكد‭ ‬صواب‭ ‬النظرة‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬مصالح‭ ‬ضيقة‭ ‬تكمن‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬الآن‭.‬

فالشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق‭ ‬في‭ ‬غالبيته‭ ‬متضرر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬العبثي‭ ‬وهو‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬المادي‭ ‬والسياسي‭ ‬أيضا،‭ ‬فأعداد‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬قتلى‭ ‬ومصابين‭ ‬جراء‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كما‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬وخطيرة‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬التحول‭ ‬السياسي‭ ‬السلمي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وهي‭ ‬العملية‭ ‬المتعثرة‭ ‬أصلا‭ ‬منذ‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬البشير‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬حيث‭ ‬فشلت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬كل‭ ‬جهود‭ ‬وضع‭ ‬العربة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬سكتها‭ ‬الصحيحة،‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬المكون‭ ‬العسكري‭.‬

السودان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬المعجزة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬المأزق‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬بتخبط‭ ‬فيه‭ ‬منذ‭ ‬الإطاحة‭ ‬بنظام‭ ‬البشير،‭ ‬وهو‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬إرثا‭ ‬ثقيلا‭ ‬وخطيرا‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬السوداني،‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬هو‭ ‬أحوج‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬إلى‭ ‬تضافر‭ ‬قوى‭ ‬جميع‭ ‬مكوناته‭ ‬لتهيئة‭ ‬الأرضية‭ ‬الصالحة‭ ‬والسلمية‭ ‬لانطلاق‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬مستقرة‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق‭ ‬الأمل‭ ‬الذي‭ ‬افتقده‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬الدموية‭ ‬العبثية‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تثمر‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬أيضا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا