القراء الأعزاء،
تُشكلّ الأمثال الشعبية والمقولات المأثورة جانبا حيويا من موروثنا الشعبي الذي يختصر المعنى ويشرح الموقف والمقصد في جملة قصيرة في طولها عميقة في مرماها، ومن المقولات التي تنُمّ عن الخلاص من الهم مقولة (فراقه عيد)، لذا فإنه من المواقف الثابتة في ذاكرتي دائما مع قدوم ورحيل شهر رمضان المبارك في كل عام ، حوار قديم دار بيني وبين أحد الأصدقاء وقد كاد أن يتسبب في خلاف بيننا بسبب مفهوم الجملة السابقة، إذ فاجأني ذات حوار حول أحواله في شهر رمضان بقوله (فراقه عيد) حيث استنكرت عليه هذه الجملة وظهر منّي بوادر الغضب، فيما أخذ هو يضحك و يشرح لي بأنه بعد شهر رمضان يأتي عيد الفطر، إذًا رحيله وفراقه عيد، وقد كان كلامه صحيحاً حرفياً، لكني أصررت على حسن اختيار المفردات والأدب في الحوار حول ضيفنا الحبيب.
ومن الجميل في عاداتنا وتقاليدنا التي تعد عنصرا مهما من عناصر موروثنا الشعبي، أنها تمنح الأماكن والأزمنة طعماً ونكهة خاصة، وقد أصبح (الوداع) من أبرز التقاليد الرمضانية التي تمزج بين منح شهر رمضان نكهة جميلة وخاصة، وبين التعبير عن مشاعر الحزن لفراق شهر رمضان ومشاعر الفرح بحسن الصيام والقيام وإتمام الطاعات المرتبطة بالشهر المبارك، ومشاعر البهجة المترقبة لثبوت رؤية هلال شوال وإعلان قدوم عيد الفطر المبارك.
فيتم توديعه بهذه الكلمات وغيرها:
(سلامُ سلام.. سلامُ عليكم فردّوا السلام
أول ما بندي نصلّي، صلّوا عليه يا من حضر
بسم النبي محمد، يالله صلّوا عليه،
يالوداع يالوداع يا رمضان.. عليك السلام يا شهر الصيام، الحمد لله يا كريم.. الشكر لله يا عظيم.. والعبد لي طاع ربّه فاز فوز عظيم يالوداع عليك السلام يا شهر الصيام.
ودعتك الله يا رمضان.. يا أبا القرع والبيديان)
و(الوداع) هو من المظاهر التي تطورت لدينا بمرور الزمان، وفيه يجوب مجموعة من الشباب المبدعين طرقات المدينة أو القرية حاملين الأدوات الموسيقية التقليدية كالدفوف والطبول ومرددين بأصواتهم الجميلة أهازيج الوداع الشعبية، والتي كان (المسحّر) في السابق يؤديها في الأيام الأخيرة من شهر رمضان مصحوباً بشخصين أو ثلاثة ولا يكاد يسمع فيها صوته أمام قوة صوت الطبل، حتى باتت مع الوقت هناك فرق شعبية متخصصة تمارس هذا الدور وتتنافس في تقديم إبداعاتها التي تمنحها خصوصيتها وتستقطب إقبال الجمهور عليها.
وقد اشتهرت في السنوات الأخيرة في مملكة البحرين مسيرات وداع شهر رمضان التي يُشارك فيها نخبة من الفنانين الشعبيين المعروفين مثل يوسف المالود، راشد النعيمي وإسكندر الجودر وغيرهم وتستخدم فيها (الفريسة) والميكروفونات والسيارات المزينة بالإضاءات المختلفة والعبارات الإلكترونية التعريفية ويحرص المهتمون من أبناء البحرين بل من دول الخليج المجاورة على حضور ومتابعة هذه المسيرات من منطقة إلى أخرى، ومن أشهرها وداع قلالي، مدينة عيسى، الرفاع، مدينة الحد ومدينة حمد وغيرها.
والأصل إنني شخصياً لا أحضر مسيرات الوداع وأكتفي بمتابعتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن دعوة كريمة من الفنان الشعبي المبدع جمعة سرور، حرّضتني على حضور هذا الطقس الجميل وأتاحت لي فرصة الاستمتاع بشكل مباشر بجمال العرض والكلمات والأداء وكان ذلك في عرض خاص لمجموعة من شخصيات المجتمع المهتمة في مدينة حمد، ثم بعدها حرصت على حضور وداع قلالي ذائع الصيت الذي يشارك فيه مجموعة من فرقة شباب قلالي المشهورة بفن الصوت والفنون البحرية وجميع ألوان الفنون الشعبية بقيادة الفنان سالم ربيعة وإبداعات يعقوب بوجفال ووائل العلان وغيرهم من الفنانين مما لا تحضرني أسماؤهم.
وها قد مضى شهر رمضان ولكن الإبداع باقٍ، لذا فإن ما وددت تأكيده هنا، هو أن البحرين ثريّة بمواهبها وإبداعاتها وفنانيها الذين يستطيعون بما يقدمونه من فنون التأثير في مشاعرك فيضحكونها أحيانا ويبكونها أخرى، وتلك سمة من سمات الإبداع والتأثير، لذا من الضرورة على المختصين بهذا الشأن الالتفات إلى هذه الفئة، والعناية بفنهم من خلال احتضانهم وتنمية قدراتهم وإبداعاتهم رفعة لاسم هذا الوطن فالموروث الشعبي هويّة تميّز الشعوب ويجب عليهم الحفاظ عليها.
وتقبل الله طاعاتكم جميعا، عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك