هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
«داعش» سلعة فاسدة بمواصفات خارجية
لم تتعرض منطقة ودول لحملة تخريب وتدمير وتمزيق مجتمعي بحجم وقساوة ودناءة ما واجهته وتتعرض له المنطقة العربية وعديد من دولها، خاصة مع بداية الألفية الجديدة، وما تعرضت له بعض الدول العربية من حملات غزو وتدمير مباشر (العراق وليبيا) واصطناع «ثورات» شعبية مطلبية (سوريا بالدرجة الأولى) إلا جزء من عملية محكمة التخطيط والإدارة والتنفيذ، فإن الخروج «المفاجئ من تحت الأرض»، لما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وانتشارها وتوسعها واستفحالها واحتلالها لأراض شاسعة ومدن كبيرة جغرافيا وسكانيا في العراق وسوريا، وامتلاكها لعتاد عسكري ضخم وحديث وإمكانيات لوجستية متطورة، إلا تأكيد على الصبغة الخارجية للحملة التدميرية لدول المنطقة.
كُتِب كثيرٌ عن غزو أمريكا وحلفائها للعراق عام 2003 وتدخلهم العسكري المباشر في الأحداث الداخلية التي شهدتها ليبيا عام 2011 وإسقاطهم بالقوة العسكرية المباشرة نظامَ الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وما تسببت فيه هذه التدخلات العسكرية المباشرة من تدمير شبه تام لأسس الدولتين العراقية والليبية وفقدانهما لسيادتهما السياسية، والمتسببون في ذلك لا ينكرون دورهم ومشاركتهم المباشرة في هذه التدخلات، ولا يشفع لهم تقديم أعذار أقبح من الذنوب، وستبقى مسؤوليتهم عن ما آلت إليه الأوضاع في الدول التي تعرضت لغزواتهم وتدخلاتهم تلاحقهم حيث الجريمة وتداعياتها لا تسقط بالتقادم.
مع كل ما يحيط بجرائم الغزو من حقائق واعترافات وإقرار «خجول» بذلك، إلا أن ملف التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها ما يعرف بــ«داعش»، لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام، ليس فيما يتعلق بالدور الإجرامي لهذا التنظيم، وإنما في السرعة والكيفية التي برز بها وانتشر، حيث هناك تعمد في إخفاء الحقائق التي تتحدث عن المطابخ التي أعد وجهز فيها هذا التنظيم وأخرج، الذي حشد «الجميع» قواه من أجل «محاربته» مع أن ظهوره «المفاجئ» وبالسرعة التي استفحلت به قواه تثير أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي استفادت من وجود هذا التنظيم.
تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، امتلك جيشا مدججا بكل أنواع الأسلحة والعتاد وقدرة خارقة على التجنيد والتسليح والتمويل ومهارة الفنون القتالية العسكرية مع حرفنة وإتقان في استخدام أحدث ما تصل إليه من أنواع الأٍسلحة المختلفة، وهذا كله لا يمكن الوصول إليه بين ليلة وضحاها، وفوق ذلك كله، فإن تكوين جيش من المقاتلين بهذا العدد الكبير وبهذه المقدرة على الانتشار والتوسع والقدرة اللوجستية العسكرية، بحاجة إلى قدرات مالية ضخمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن إعداد تشكيلات عسكرية منظمة ومسلحة ومجهزة، تحتاج هي الأخرى إلى قدرات تدريبية متمرسة ومتعلمة أصول التدريب العسكري، وهنا أيضا تبرز علامة «استفهام» أخرى.
البعض يرى ان قوة «داعش» العسكرية وقدرات أفراده القتالية استمدها التنظيم من عناصره العراقيين، وجلهم أفراد الجيش وقوى أجهزة الأمن العراقية التي حلها الحاكم الأمريكي للعراق بعد جريمة الغزو بول بريمر، وهذا ليس سوى جزء بسيط جدا من الحقيقة، ذلك أن تنظيم «داعش» ضم في صفوفه مقاتلين من مختلف الجنسيات وتدفقوا على مراكز التدريب والتجنيد من مختلف دول العالم، بما في ذلك من الدول الأوروبية والآسيوية غير العربية، كما أن عشرات الآلاف من أفراد الجيش العراقي السابق لم يلتحقوا بهذا التنظيم الإرهابي والمشاركة في الجرائم التي ينفذها.
من المؤكد أن تنظيم بهذه القوة القتالية المدربة والتسليحية الهائلة وتمكنه من احتلال مدن كبيرة في العراق وسوريا وإنشاء «مؤسسات إدارية» وفق المفهوم الأيديولوجي لقادته، بحاجة إلى مصادر تمويلية قوية وموثوقة، وهي عملية لا يمكن القيام بها وإنجازها خارج نطاق سيطرة أجهزة الاستخبارات التابعة للدول المتمكنة، لهذا فإن مسألة الشك في وقوف أجهزة استخبارات قوية وراء ما يمكن تسميتها بـ«لعبة داعش»، هذا الشك يرقى إلى مستوى الجزم، فالقرائن والكثير من الأدلة تدعم ذلك.
صحيح إن تنظيم «داعش» الإرهابي استهدف بعملياته الإجرامية عديدا من الدول والمجتمعات، ونفذ الكثير من الجرائم الموجهة ضد التجمعات والمرافق المدنية والدينية، الإسلامية منها والمسيحية، وكذلك الأسواق، أي الأماكن التي يضمن التنظيم حصد أكبر عدد من الأرواح البريئة، لكن أخطر أعمال هذا التنظيم، هي تلك التي طالت مؤسسات الدولة، تحديدا في العراق وسوريا، هذه الأعمال استهدفت الأسس التي تتكئ عليها الدولة، وفي مقدمتها المؤسسات العسكرية والأمنية، والتي في حال انهيارها، تنهار الدولة، وهذا ما حدث، مثلا، مع الدولة العراقية بعد حل الجيش وقوى الأمن بعد جريمة الغزو، وبالتالي فإن «داعش» هو أداة من أدوات التدمير التي تقودها قوى دولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك