العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

المال والعيال والصحة

نشرت‭ ‬مجلة‭ ‬نيوزويك‭ ‬الأمريكية‭ ‬ملفا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬عائلتك‭ ‬وصحتك‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬للمجلة‭ ‬ونظيرتها‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬فتح‭ ‬هذ‭ ‬الملف‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬الناس‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬للوجبات‭ ‬السريعة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬لعدم‭ ‬تناول‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬البيوت،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬مؤشر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسيج‭ ‬العائلات‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬التفكك،‭ ‬فجلوس‭ ‬العائلة‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬واحدة‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تجانس‭ ‬وتآلف‭ ‬أفرادها‭ ‬واكتسابهم‭ ‬العافية‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬مألوف‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الغربية‭ ‬عموما،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تناول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬الشائك‭ ‬بلغة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬التنطع،‭ ‬و«الكلام‭ ‬الكبير‮»‬‭ ‬أي‭ ‬المصطلحات‭ ‬المعقدة،‭ ‬بحيث‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬العادي‭ ‬فهم‭ ‬محتواه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موزعا‭ ‬على‭ ‬12‭ ‬صفحة‭. ‬ويبدأ‭ ‬التقرير‭ ‬بحكاية‭ ‬الطفل‭ ‬توم‭ ‬الذي‭ ‬شكت‭ ‬أمه‭ ‬للطبيب‭ ‬النفساني‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬عنيد‭ ‬ومشاغب‭ ‬ويخالف‭ ‬توجيهاتها‭ ‬ونصائحها،‭ ‬وذهب‭ ‬الطبيب‭ ‬الى‭ ‬روضة‭ ‬الأطفال‭ ‬التي‭ ‬يقضي‭ ‬فيها‭ ‬توم‭ ‬نصف‭ ‬يومه،‭ ‬فوجده‭ ‬هادئا‭ ‬ومنسجما‭ ‬مع‭ ‬أقرانه،‭ ‬وسمع‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬التدريس‭ ‬بالروضة‭ ‬ان‭ ‬توم‭ ‬طفل‭ ‬ذكي‭ ‬وهادئ‭ ‬ووديع‭! ‬هنا‭ ‬أحس‭ ‬الطبيب‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬إنّ‮»‬،‭ ‬وجلس‭ ‬مع‭ ‬الأم‭ ‬طويلا،‭ ‬وعرف‭ ‬منها‭ ‬انها‭ ‬مطلقة‭ ‬وأن‭ ‬عليها‭ ‬أعباء‭ ‬منزلية‭ ‬كثيرة‭ ‬ومرهقة‭ ‬وخاصة‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬أطفالا‭ ‬غير‭ ‬توم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬رعايتها‭.‬

باختصار‭ ‬اكتشف‭ ‬الطبيب‭ ‬ان‭ ‬الأم‭ ‬وليس‭ ‬توم‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬اكتئاب‭ ‬مرضي،‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬تهمل‭ ‬أمر‭ ‬توم،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬اضطراب‭ ‬يسميه‭ ‬الأطباء‭ ‬أتينشن‭ ‬ديفيسيت attention deficit ومعناه الافتقار إلى الاهتمام، وهو ما يحمل‭ ‬بعض‭ ‬الأطفال‭ ‬وحتى‭ ‬الكبار‭ ‬الى‭ ‬اتيان‭ ‬سلوكيات‭ ‬غريبة‭ ‬للفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬إيذاء‭ ‬النفس‭. ‬وقد‭ ‬تجد‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الجمال‭ ‬الطبيعي‭ ‬تفرط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الزينة‭ ‬الاصطناعية‭ ‬التي‭ ‬تفسد‭ ‬جمالها‭ ‬فتبدو‭ ‬كأنها‭ ‬أخت‭ ‬شعبان‭ ‬عبدالرحيم،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬برغم‭ ‬جمالها‭ ‬تحس‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬لا‭ ‬يلتفتون‭ ‬اليها‭ ‬–على‭ ‬المستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الانساني–‭ ‬فتلجأ‭ ‬الى‭ ‬البهرجة‭ ‬المتبرجة‭ ‬للفت‭ ‬الأنظار‭. ‬والأتينشن‭ ‬ديفيسيت‭ ‬متفش‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬وبائي‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الإعلامية،‭ ‬فتجد‭ ‬إعلاميين‭ ‬كل‭ ‬همهم‭ ‬السباحة‭ ‬عكس‭ ‬التيار‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬مثلث‭ ‬برمودا،‭ ‬كي‭ ‬يثبتوا‭ ‬تميزهم‭ ‬وتفرُّدهم،‭ ‬وقد‭ ‬يزعم‭ ‬أحدهم‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬ملتوٍ‭ ‬انه‭ ‬الوحيد‭ ‬المعني‭ ‬بتحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬والجميع‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬خونة‭ ‬وعملاء‭ ‬و«أولاد‭ ‬الذين‮»‬،‭ ‬وعندما‭ ‬يجد‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يوافقه‭ ‬الرأي،‭ ‬ويثني‭ ‬عليه‭ ‬لكونه‭ ‬النصير‭ ‬الأوحد‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يتحول‭ ‬موقفه‭ ‬180‭ ‬درجة‭ ‬فهرنهايت‭ ‬ويصيح‭: ‬حريقة‭ ‬تحرق‭ ‬فلسطين‭.. ‬كل‭ ‬بلاوينا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬راس‭ ‬فلسطين‭.‬

أعود‭ ‬الى‭ ‬نيوزويك‭ ‬وأقول‭ ‬ان‭ ‬تقريرها‭ ‬الصحي‭ ‬ذاك‭ ‬‮«‬يهبل‮»‬‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬دسامته‭ ‬وثراء‭ ‬معلوماته،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬البيئة‭ ‬العائلية‭ ‬التي‭ ‬ينشأ‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬صحته‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬وهناك‭ ‬طبعا‭ ‬الأمراض‭ ‬الوراثية‭ ‬التي‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬عائلية‭ ‬لها‭ ‬انعكاسات‭ ‬على‭ ‬الصحة،‭ ‬فالحالة‭ ‬المادية‭ ‬للأسرة‭ ‬لها‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الانعكاسات،‭ ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬وفرة‭ ‬النقود‭ ‬تعني‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الدواء،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬يُسر‭ ‬الحال‭ ‬المادي‭ ‬يعني‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الاستقلالية‭ ‬وقدرا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والهم‭ ‬والغم،‭ ‬وفرصا‭ ‬أكبر‭ ‬للتواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتقول‭ ‬دراسات‭ ‬أجرتها‭ ‬كليات‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭ ‬في‭ ‬جامعتي‭ ‬هارفارد‭ ‬وسان‭ ‬انتونيو‭ (‬تكساس‭) ‬ان‭ ‬الأثرياء‭ ‬–نسبيا–‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يعيشون‭ ‬متوسط‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬الفقراء‭. ‬فالفقير‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬فقط‭ ‬هم‭ ‬كسب‭ ‬القوت‭ ‬ويعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قلق‭ ‬وشد‭ ‬عصبي‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬بداهة‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬الحيلة‭ ‬والوسيلة‭ ‬لطلب‭ ‬العلاج‭ ‬الناجع،‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬صار‭ ‬فيه‭ ‬الطب‭ ‬سلعة‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬شراءها‭ ‬إلا‭ ‬ذوو‭ ‬اليسار‭.‬

أما‭ ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬لي‭ ‬لطمة‭ ‬قاسية‭ ‬فهو‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬تقول‭ ‬ان‭ ‬من‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬فقيرة‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للأمراض‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تحسنت‭ ‬أوضاعه‭ ‬المادية‭ ‬لاحقا‭! ‬بقى‭ ‬كده؟‭ ‬وأنا‭ ‬أقول‭ ‬لماذا‭ ‬جهازي‭ ‬الهضمي‭ ‬مخربط‭ ‬وملخبط،‭ ‬ويشتغل‭ ‬بصورة‭ ‬عشوائية‭ ‬محرجة‭ ‬رغم‭ ‬تحسن‭ ‬أوضاعي‭ ‬المالية‭ ‬نسبيا‭ ‬ورغم‭ ‬انني‭ ‬اتعامل‭ ‬مع‭ ‬أفضل‭ ‬الأطباء‭ ‬واشتري‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الدواء‭! ‬يعني‭ ‬الجراثيم‭ ‬والميكروبات‭ ‬تقول‭ ‬لي‭: ‬بيننا‭ ‬عشرة‭ ‬وصحبة‭ ‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا