كلمة رثاء أرثي بها الغالية والحبيبة أمي منيرة أم صباح رحمها الله وأسكنها فسيح الجنان.
بقلب حزين يا أمي وعين باكية أرثيك أيتها الغالية، أرثيك والألم يعتصر قلبي وروحي، والدموع تنهمر من عيني وفراقك يمزقني.. أحاول أن أصبر نفسي رغم مرارة الفراق الذي أعيشه مع أختيّ صباح وماجدة بعد رحيلك وقد بلغ الحزن منا مبلغاً كبيرا ولم تتوقف دموعنا عليك وخاصة عندما تحضران لزيارتي وتسترجعان ذكرياتهما الجميلة معك في غرفتك وفي حضنك الدافئ أيتها الحنون الطيبة.. نحبك يا أمي والكل يحبك لما تتحلين به من خلق وسلوك راق.. نحبك يا أمي وكنا نشعر بحبك العظيم لنا حين نمرض أو يحدث لنا أي عارض.. كنت تحرصين على راحتنا دائما وتتابعين أحوالنا ودراستنا وتحثيننا على الجد والاجتهاد والمثابرة والتعامل مع الآخرين بالاحترام والحسنى بدون تمييز، ومساعدة المحتاج وعدم رد السائل، ودائما ترددين «وأما السائل فلا تنهر» عندما تشاهدين موقفا مؤثرا من قبل البعض تجاه المحتاج.
عودتِنا على قيم ومبادئ جليلة فكنت رمزاً للعطاء والتفاني، حرصت على تعليمنا في أحسن المدارس والجامعات، كنت الأم الصالحة الهادئة.. عرفت بأخلاقك الراقية وبالحلم والحكمة، فعلاً كنت حكيمة في تعاملك مع الجميع سواء مع أبنائك وأحفادك أو مع الأهل والأقرباء والصديقات والجيران وزميلات العمل من إداريات ومعلمات وغيرهن في جميع المدارس التي عملت بها، حيث كنت مثالاً للالتزام والإخلاص في عملك وخدمة وطنك الغالي بشهادة الجميع. لم تتواني يوماً ولم تتغيبي عن العمل حتى في حالات الإجازات المرضية، تفضلين العلاج مساء، لم تتغيبي طوال سنوات خدمتك إلا خمسة أيام لوفاة والدتك (جدتي) رحمها الله. من يصدق ذلك؟ فمثلك نادر يا أمي، وهذا ما يجعلنا نفخر بسيرتك العطرة ونضعها وساما على صدورنا ما حيينا. نلت شرف التكريم من لدن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة -طيب الله ثراه- في عيد العلم، وهذا التكريم يعدّ مفخرة وشرفا عظيما لننا نحن أبناءك.
كثيرون حزنوا على رحيلك من داخل البحرين وخارجها حتى طالباتك اللاتي قمت بتعليمهن -وقد كبرن الآن- سارعن عند سماع الخبر، جئن باكيات للمشاركة في العزاء ليودعنك الوداع الأخير.
يا لها من لحظات عصيبة علينا، عشت في هذه الدنيا هادئة فوصفك الجميع بملاك يمشي على الأرض، وخرجت منها أيضاً بهدوء تام. ماذا أقول أكثر مما قلت، إن قلمي لعاجز عن التعبير بالكتابة، لكن يكفي أن أقول إن كل ما قدمته في حياتك لأبنائك ثروة لا تقدر بثمن، غرست في نفوسنا القيم الجميلة والمبادئ الوطنية الخالصة والولاء والانتماء لهذه الأرض الطيبة والحب والوفاء للوطن الغالي.
ربيتنا على عمل الخير، عملت الخير لأجل الخير، ما انتظرت حمداً ولا شكورا، أياديك البيضاء امتدت إلى كثيرين ممن حولك بصمت. يتحدث عن ذلك القريب والبعيد الآن ويدعون لك، سرنا على دربك ونهجك والحمد لله، أحببت بوفاء وأعطيت بسخاء، لم تكوني أمّا فقط.. كنت الأم العظيمة في علاقتك معنا، كنت الأم والأخت والصديقة، كنت مدرسة تعلمنا على يديك معنى الحب والإخلاص والوفاء والتفاني ودماثة الخلق وصفاء النفس، كنت رفيقة دربي في كل مكان، لا يطيب لي السفر بدونك، وأنت كذلك، فأحرص على أن تكوني معي دائما ولم أتركك حتى اللحظات الأخيرة في حياتك، لذا رحيلك عن هذه الدنيا ترك فراغا كبيرا في حياتي.. إن الذكريات كثيرة وجميلة ومآثرك أجمل يا حبيبتي الغالية، مهما قلت لن أوفيك حقك يا أمي ستظلين في ذاكرتنا وقلوبنا دائما ولا يسعني هنا إلا أن أقول:
أنت معلمة الأجيال
أنت صانعة الحياة
أنت النور الذي يضيء لنا طريقنا
أنت الحب والدفء أنت الأمان
أنت فخرنا وعزنا على مر الزمان
أنت عطاء بلا حدود فاق المكان
إن فقدك خسارة جسيمة وألم عظيم، لكن إيماننا بقضاء الله وقدره قوي وإن الموت شيء محتم وحق علينا جميعاً، وكلنا على هذا الدرب سائرون مهما اختلفت السبل.
لن أقول رحلت.. رحلت جسداً فقط، وذكرك باق سيظل ما بقينا إلى الأبد. رحمك الله يا أمي رحمة واسعة وتجاوز عنك وجعل جنة الفردوس مثواك، اللهم آمين.
أختم كلمتي بهذين البيتين من الشعر:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
كلمات الصحابي الجليل كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني رضي الله عنه حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
كلمات الشاعر أبو الحسن علي التهامي
وداعاً يا حبيبتي
وداعاً يا صديقة عمري
وداعاً يا رفيقة دربي
إنا لله وإنا إليه راجعون.
ساجدة علوان فرحان البياتي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك