هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
دول المنطقة أدرى بمصالحها
سواء أصابت التوقعات بإمكانية دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى المشاركة في القمة العربية المزمع انعقادها في المملكة العربية السعودية في شهر مايو القادم، وهي المشاركة، التي إن تمت، فإن ذلك يعني عودة سوريا إلى حضنها الطبيعي الذي حرمت منه لأكثر من اثني عشر عاما، لأسباب معروفة للجميع، فإن عودة سوريا هي مسألة وقت لا أكثر، فالتقارب العربي السوري يسير بوتيرة متسارعة وناجحة أيضا حيث أصبحت جميع العواصم العربية تقريبا مفتوحة أمام المسؤولين السوريين من مختلف الدرجات السياسية، بما في ذلك قمة الهرم السياسي في الجمهورية العربية السورية حيث استقبلت أكثر من عاصمة عربية الرئيس السوري بشار الأسد وزار دمشق أكثر من مسؤول عربي ومن مختلف المستويات السياسية.
حققت الجهود التي استهدفت إذابة الجليد في علاقات سوريا مع عديد من الدول العربية، نجاحات كبيرة وكثيرة، ونوعية أيضا توجت بزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للمملكة العربية السعودية خلال الأسبوع الماضي، وهي الزيارة التي اعتبرها المراقبون بمثابة التحول السياسي النوعي والمهم، نظرا إلى ما تمتلكه المملكة العربية السعودية من ثقل كبير على الساحتين العربية والدولية، ومن شأن هذا التحول أن يزيل ما تبقى من عقبات أمام عودة سوريا إلى محيطها العربي، الذي لا يمكن لدمشق أن تكون في غنى عنه مهما استعصت خلافاتها مع أشقائها، بغض النظر عن من هو المخطئ الأكبر في ذلك.
المنطقة بمجملها تشهد تحولات سياسية نوعية في علاقات دولها مع بعضها البعض، وما التطورات الإيجابية التي تشهدها علاقات سوريا مع جميع الدول العربية تقريبا، إلا جزء من هذه التحولات، حتى العلاقات السورية التركية، التي مرت بحالة من العداء التام، هي الأخرى شهدت تحولا سياسيا نوعيا، وهناك حديث عن لقاء رباعي تستضيفه العاصمة الروسية موسكو بمشاركة وزيري خارجية البلدين، إلى جانب وزيري خارجية روسيا وإيران، فيما تمر العلاقات التركية المصرية بحالة من التعافي السياسي النوعي بعد الزيارات المتبادلة لوزيري خارجية البلدين.
ما شهدته المنطقة، العربية منها بالدرجة الأولى، من حالة عدم استقرار وقلاقل سياسية وأمنية كبيرة لم تشهدها أي منطقة أخرى من العالم، انعكس سلبا على دول المنطقة كلها، بعيدا عن درجة التأثير والضرر الذي طال هذه الدولة أو تلك، وليس هناك أدنى شك في أن بعض القوى الدولية والإقليمية (سلطات الاحتلال الإسرائيلي منها على سبيل المثال) كانت لها مصلحة في حالة عدم الاستقرار في علاقات دول المنطقة مع بعضها البعض، ولعبت هذه الدول أدوارا مختلفة في تأجيج الخلافات والصراعات الداخلية، كما هو الحال مع الأوضاع التي تشهدها سوريا وليبيا على سبيل المثال، وبالتالي كان من المهم جدا لدول المنطقة أن تعالج الوضع غير الطبيعي الذي لا يصب في المصلحة الوطنية لشعوبها.
يؤكد هذه الحقيقة ما تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وضعه من عقبات أمام عودة العلاقات العربية السورية إلى وضعها الطبيعي، بحجة عدم حدوث تغيير في سلوك الحكومة السورية تجاه «المطالب المشروعة للشعب السوري»، وهي الحجة التي فضحتها جريمة الغزو الأمريكي للعراق والتي تحمل الشعب العراقي عواقبها المدمرة، وهو ما يحدث الآن بالضبط مع الشعبين الليبي والسوري، فحجة «دعم المطالب المشروعة للشعوب»، التي تتذرع بها واشنطن، ما هي إلا غطاء لتنفيذ أجندتها السياسية التي هي في الواقع مضرة بالشعوب، هذه الحجة لم تعد تنطلي على أولئك الذين اكتووا بنتائجها الكارثية.
عودة سوريا إلى حضنها الطبيعي العربي، تعتبره الإدارة الأمريكية «إقرارا واعترافا بالنظام السوري»، وهذه أيضا حجة هدفها خدمة المشروع الأمريكي في سوريا، أي تفتيت الوطن السوري، عرقيا ومذهبيا، فشرعية أي نظام لا تحدده هذه الدولة أو تلك، وإنما المواثيق والقوانين الدولية، فسوريا بنظامها السياسي القائم حاليا، وبغض النظر عن طبيعته، هي عضو كامل العضوية في الأمم المتحدة وفي الجامعة العربية أيضا ولديها علاقات دبلوماسية مع الغالبية العظمى من دول العالم، كما أن عودة سوريا إلى حضنها العربي يصب في مصلحة الشعب السوري بجميع فئاته، فهو المتضرر الأكبر من الأحداث التي تعاني منها بلاده على مدى أكثر من اثني عشر عاما.
هذه التطورات الإيجابية السياسية التي تشهدها المنطقة والتي تلعب المملكة العربية السعودية فيها دورا محوريا، تؤكد أن دول المنطقة آخذة في السير نحو ربط علاقاتها الخارجية بمصالحها الوطنية والقومية، فوضع البيض في سلة واحدة لا يخدم مصالح هذه الدول وشعوبها، أضف إلى ذلك، فإن إرهاصات نشوء عالم متعدد الأقطاب تزداد سطوعا وهذا في حد ذاته يصب في صالح هذه الدول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك