العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

دول المنطقة أدرى بمصالحها

سواء‭ ‬أصابت‭ ‬التوقعات‭ ‬بإمكانية‭ ‬دعوة‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬المزمع‭ ‬انعقادها‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬القادم،‭ ‬وهي‭ ‬المشاركة،‭ ‬التي‭ ‬إن‭ ‬تمت،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬حرمت‭ ‬منه‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬عاما،‭ ‬لأسباب‭ ‬معروفة‭ ‬للجميع،‭ ‬فإن‭  ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬فالتقارب‭ ‬العربي‭ ‬السوري‭ ‬يسير‭ ‬بوتيرة‭ ‬متسارعة‭ ‬وناجحة‭ ‬أيضا‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬جميع‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬تقريبا‭ ‬مفتوحة‭ ‬أمام‭ ‬المسؤولين‭ ‬السوريين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدرجات‭ ‬السياسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قمة‭ ‬الهرم‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬السورية‭ ‬حيث‭ ‬استقبلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عاصمة‭ ‬عربية‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬وزار‭ ‬دمشق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسؤول‭ ‬عربي‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭.‬

حققت‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬إذابة‭ ‬الجليد‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬سوريا‭ ‬مع‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬نجاحات‭ ‬كبيرة‭ ‬وكثيرة،‭ ‬ونوعية‭ ‬أيضا‭ ‬توجت‭ ‬بزيارة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السوري‭ ‬فيصل‭ ‬المقداد‭ ‬للمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬وهي‭ ‬الزيارة‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬المراقبون‭ ‬بمثابة‭ ‬التحول‭ ‬السياسي‭ ‬النوعي‭ ‬والمهم،‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الساحتين‭ ‬العربية‭ ‬والدولية،‭ ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬أن‭ ‬يزيل‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عقبات‭ ‬أمام‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬محيطها‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لدمشق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬مهما‭ ‬استعصت‭ ‬خلافاتها‭ ‬مع‭ ‬أشقائها،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬المخطئ‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

المنطقة‭ ‬بمجملها‭ ‬تشهد‭ ‬تحولات‭ ‬سياسية‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬دولها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬وما‭ ‬التطورات‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬علاقات‭ ‬سوريا‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تقريبا،‭ ‬إلا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬حتى‭ ‬العلاقات‭ ‬السورية‭ ‬التركية،‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬التام،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬شهدت‭ ‬تحولا‭ ‬سياسيا‭ ‬نوعيا،‭ ‬وهناك‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬لقاء‭ ‬رباعي‭ ‬تستضيفه‭ ‬العاصمة‭ ‬الروسية‭ ‬موسكو‭ ‬بمشاركة‭ ‬وزيري‭ ‬خارجية‭ ‬البلدين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬وزيري‭ ‬خارجية‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران،‭ ‬فيما‭ ‬تمر‭ ‬العلاقات‭ ‬التركية‭ ‬المصرية‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬التعافي‭ ‬السياسي‭ ‬النوعي‭ ‬بعد‭ ‬الزيارات‭ ‬المتبادلة‭ ‬لوزيري‭ ‬خارجية‭ ‬البلدين‭.‬

ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنطقة،‭ ‬العربية‭ ‬منها‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬وقلاقل‭ ‬سياسية‭ ‬وأمنية‭ ‬كبيرة‭ ‬لم‭ ‬تشهدها‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬انعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬درجة‭  ‬التأثير‭ ‬والضرر‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وليس‭ ‬هناك‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬بعض‭  ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ (‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭) ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬ولعبت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أدوارا‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الخلافات‭ ‬والصراعات‭ ‬الداخلية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الأوضاع‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬الوضع‭ ‬غير‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬لشعوبها‭. ‬

يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬تحاول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وضعه‭ ‬من‭ ‬عقبات‭ ‬أمام‭ ‬عودة‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬السورية‭ ‬إلى‭ ‬وضعها‭ ‬الطبيعي،‭ ‬بحجة‭ ‬عدم‭ ‬حدوث‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬تجاه‭ ‬‮«‬المطالب‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬السوري‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬الحجة‭ ‬التي‭ ‬فضحتها‭ ‬جريمة‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬والتي‭ ‬تحمل‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬عواقبها‭ ‬المدمرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬بالضبط‭ ‬مع‭ ‬الشعبين‭ ‬الليبي‭ ‬والسوري،‭ ‬فحجة‭ ‬‮«‬دعم‭ ‬المطالب‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعوب‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تتذرع‭ ‬بها‭ ‬واشنطن،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬غطاء‭ ‬لتنفيذ‭ ‬أجندتها‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مضرة‭ ‬بالشعوب،‭ ‬هذه‭  ‬الحجة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تنطلي‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬اكتووا‭ ‬بنتائجها‭ ‬الكارثية‭.‬

عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬الطبيعي‭ ‬العربي،‭ ‬تعتبره‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬إقرارا‭ ‬واعترافا‭ ‬بالنظام‭ ‬السوري‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬أيضا‭ ‬حجة‭ ‬هدفها‭ ‬خدمة‭ ‬المشروع‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أي‭ ‬تفتيت‭ ‬الوطن‭ ‬السوري،‭ ‬عرقيا‭ ‬ومذهبيا،‭ ‬فشرعية‭ ‬أي‭ ‬نظام‭ ‬لا‭ ‬تحدده‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وإنما‭ ‬المواثيق‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية،‭ ‬فسوريا‭ ‬بنظامها‭ ‬السياسي‭ ‬القائم‭ ‬حاليا،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬طبيعته،‭ ‬هي‭ ‬عضو‭ ‬كامل‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وفي‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬أيضا‭ ‬ولديها‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬بجميع‭ ‬فئاته،‭ ‬فهو‭ ‬المتضرر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬بلاده‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬عاما‭.‬

هذه‭ ‬التطورات‭ ‬الإيجابية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬المنطقة‭ ‬والتي‭ ‬تلعب‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فيها‭ ‬دورا‭ ‬محوريا،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬السير‭ ‬نحو‭ ‬ربط‭ ‬علاقاتها‭ ‬الخارجية‭ ‬بمصالحها‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية،‭ ‬فوضع‭ ‬البيض‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬واحدة‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬وشعوبها،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬إرهاصات‭ ‬نشوء‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬تزداد‭ ‬سطوعا‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا