العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

روماني ذكي وآخر غبي

اشتهرت‭ ‬رومانيا‭ ‬بأنها‭ ‬بلد‭ ‬مصاصي‭ ‬الدماء،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬الكونت‭ ‬دراكيولا‭ ‬وفرنكنشتاين،‭ ‬والدكتاتور‭ ‬الراحل‭ ‬ليو‭ ‬تشاوتشيسكو،‭ ‬وصارت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تصدر‭ ‬الأطفال‭ ‬لمن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬تبنِّيهم‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا،‭ ‬ولعل‭ ‬بعضكم‭ ‬يذكر‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬هنا‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭ ‬عن‭ ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬الروماني‭ ‬الذي‭ ‬ابتكر‭ ‬طريقة‭ ‬عبقرية‭ ‬لشراء‭ ‬راحة‭ ‬باله،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬اتفق‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬على‭ ‬تسليمها‭ ‬500‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬شهرياً‭ ‬مقابل‭ ‬ألا‭ ‬تطنطن‭ ‬أو‭ ‬تنقنق‭ ‬عندما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت،‭ ‬وكانت‭ ‬الزوجة‭ ‬كلما‭ ‬عاد‭ ‬الزوج‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬تفتح‭ ‬حنفية‭ ‬حلاقيمها‭: ‬يللا‭ ‬نزور‭ ‬خالتي‭.. ‬نسيت‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تسلفك‭ ‬فلوس‭ ‬أيام‭ ‬الفقر‭.. ‬الله‭ ‬يرحم‭.. ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬نروح‭ ‬الخياط‭... ‬حسرة‭ ‬على‭ ‬شبابي‭.. ‬النسوان‭ ‬لابسات‭ ‬أشكال‭ ‬وألوان‭ ‬وأنا‭ ‬حي‭ ‬الله‭ ‬أربعين‭ ‬فستان‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬عاد‭ ‬وإرم‭ ‬ذات‭ ‬العماد‭.. ‬وراجلي‭ ‬مسوي‭ ‬حاله‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ (‬الترجمة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬دقيقة‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬اللغة‭ ‬الرومانية‭). ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬الخطة‭ ‬نجحت‭ ‬وصارت‭ ‬الزوجة‭ ‬صماء‭ ‬بكماء‭ ‬لا‭ ‬تكلم‭ ‬زوجها‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬بادرها‭ ‬بالكلام‭.‬

وكنتُ‭ ‬قد‭ ‬طبقت‭ ‬خطة‭ ‬مشابهة‭ ‬مع‭ ‬زوجتي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الهواتف،‭ ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬اغترابنا‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬كانت‭ ‬تمسك‭ ‬بسماعة‭ ‬الهاتف‭ ‬أحياناً‭ ‬لتكلم‭ ‬أمها،‭ ‬وتمضي‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬في‭ ‬النهنهة‭ ‬والبكاء‭: ‬مش‭.. ‬مش‭.. ‬مشت‭.. ‬مشتا‭.. ‬مشتاقة‭ ‬لكم‭ ‬كتير‭ ‬يا‭ ‬أمي،‭ ‬ثم‭ ‬‮«‬تستعدل‮»‬‭ ‬وتبدأ‭ ‬بالسؤال‭ ‬عن‭ ‬ميمي‭ ‬وكيمو‭ ‬وسوسو‭ ‬ونونو‭ ‬وتاتا‭ ‬وتوتة،‭ ‬وحمودي‭ ‬وسعودي‭ ‬ودودي‭ ‬وكودي‭ ‬وجقودي،‭ ‬ويعقب‭ ‬ذلك‭ ‬تقارير‭ ‬مفصلة‭ ‬من‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬عمن‭ ‬تزوج‭ ‬وطلق‭ ‬وسافر‭ ‬ونام‭ ‬وقام‭ ‬وأكل‭ ‬وصام‭!! ‬وبداهة‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬الكلام‭ ‬يكلفنا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الطعام،‭ ‬فعرضت‭ ‬على‭ ‬المدام‭ ‬راتباً‭ ‬شهرياً‭ ‬أسميته‭ ‬‮«‬بدل‭ ‬تلفون‮»‬،‭ ‬أعطيها‭ ‬مبلغاً‭ ‬معيناً‭ ‬شهرياً‭ ‬نظير‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭ ‬حلال‭ ‬عليها،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬سأخصم‭ ‬من‭ ‬المبلغ‭/ ‬بدل‭ ‬التلفون‭ ‬قيمة‭ ‬المكالمات‭ ‬التي‭ ‬تجريها،‭ ‬وإذا‭ ‬استمرت‭ ‬في‭ ‬المكالمات‭ ‬بطريقة‭ ‬المعلقات‭ ‬‮«‬مفيش‭ ‬فلوس‮»‬،‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مدهشة،‭ ‬ترفع‭ ‬سماعة‭ ‬التلفون‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭: ‬ألو،‭ ‬كيف‭ ‬حالك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭.. ‬أنت‭ ‬كويسة؟‭ (‬ويعقب‭ ‬ذلك‭ ‬الفيلم‭ ‬الهندي‭ ‬والتذرع‭ ‬برداءة‭ ‬الخط‭: ‬ألو،‭ ‬ألو‭.. ‬وتكون‭ ‬أمها‭ ‬تصيح‭: ‬انا‭ ‬معك‭ ‬يا‭ ‬بنتي‭.. ‬ولكن‭ ‬بنتها‭ ‬المُدبِّرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تجعل‭ ‬الهاتف‭ ‬يصيح‭ ‬بدوره‭: ‬بيب‭ ‬بيب‭ ‬بيب‭)‬،‭ ‬وخلال‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬أصبحت‭ ‬زوجتي‭ ‬ثرية‭ ‬مادياً‭ ‬وفقيرة‭ ‬‮«‬ثرثرياً‮»‬،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صارت‭ ‬مكالماتها‭ ‬الهاتفية‭ ‬تلغرافية،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬فاتورة‭ ‬الهاتف‭ ‬تكلفنا‭ ‬شيئاً،‭ ‬وبذلك‭ ‬جمعت‭ ‬مالاً‭ ‬كثيراً،‭ ‬وصارت‭ ‬مكالمتها‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬إزيِّك‭ ‬يا‭ ‬أمي‭.. ‬باي‭!! ‬وإمعاناً‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬اشترت‭ ‬فاكساً‭ ‬وصارت‭ ‬ترسل‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬رسائل‭ ‬مكتوبة‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬الواحدة‭ ‬الصفحة‭ ‬منها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬دقيقتين‭ ‬من‭ ‬المكالمات‭ ‬الهاتفية‭ ‬الصوتية‭! ‬وأنصح‭ ‬الرجال‭ ‬المتزوجين‭ ‬مثلي‭ ‬بنساء‭ ‬مستهلكات‭ ‬وغير‭ ‬منتجات‭ ‬لرواتب‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ورثة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬يطبقوا‭ ‬معهن‭ ‬فكرة‭ ‬بدل‭ ‬التلفون،‭ ‬وسيكتشفون‭ ‬أنهم‭ ‬وفروا‭ ‬مبالغ‭ ‬طائلة‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الموبايل‭ ‬الذي‭ ‬يسوي‭ ‬الهوايل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيدعون‭ ‬لي‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬طيب‭.‬

ثم‭ ‬طالعتنا‭ ‬صحف‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬بإبداع‭ ‬روماني‭ ‬جديد‭: ‬عانى‭ ‬فيوريل‭ ‬ليهو‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬الأكلات‭ ‬الركيكة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬زوجته‭ ‬تعدّها،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬فقرر‭ ‬نسف‭ ‬زوجته،‭ ‬نعم‭ ‬نسفها‭ ‬بالطريقة‭ ‬الداعشية،‭ ‬وتلاعب‭ ‬بتمديدات‭ ‬الغاز‭ ‬حتى‭ ‬تسرب‭ ‬وملأ‭ ‬المطبخ،‭ ‬ومن‭ ‬فرط‭ ‬ذكائه‭ ‬فقد‭ ‬انتظر‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬زوجته‭ ‬المطبخ‭ ‬وأشعل‭ ‬ولاعة‭ ‬السجائر‭ ‬لتسبب‭ ‬حريقا،‭ ‬فشبت‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬وانتقلت‭ ‬الى‭ ‬ملابسه‭ ‬وامتدت‭ ‬إلى‭ ‬المطبخ‭ ‬حتى‭ ‬قضت‭ ‬عليه‭ ‬تماماً،‭ ‬ونجح‭ ‬‮«‬ليهو‮»‬‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬الحمام‭ ‬وفتح‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬جسمه‭ ‬متخلصا‭ ‬من‭ ‬الحريق،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬يلحق‭ ‬بالزوجة‭ ‬أيّ‭ ‬أذى،‭ ‬وحكموا‭ ‬على‭ ‬الزوج‭ ‬بالسجن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬فقال‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬زنزانته‭: ‬السجن‭ ‬أحب‭ ‬إليّ‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬ما‭ ‬تطبخه‭ ‬زوجتي‭!! ‬طبعاً‭ ‬الحمار‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬حريته‭ ‬وفقد‭ ‬زوجته‭ ‬وفقد‭ ‬وظيفته‭!! ‬وسيكتشف‭ ‬أن‭ ‬طعام‭ ‬السجن‭ ‬خير‭ ‬منه‭ ‬التبن،‭ ‬ولن‭ ‬يجد‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬من‭ ‬يطبخ‭ ‬له‭ ‬طعاماً‭ ‬ركيكاً‭ ‬أو‭ ‬بليغاً‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا