القراء الأعزاء،
يُقال إن العدالة عمياء، ويُستدل على ذلك من خلال تصوير العدالة بصورة امرأة تعصب عينيها بغطاءٍ سميك وتحمل في يدها ميزان العدل، وقد اختلفت الآراء في تسبيب ذلك، فالبعض يقول إن العدالة عمياء لأنها لا تلتفت إلى العواطف والمشاعر ولا تطبق روح القانون بل تذهب إلى تطبيق النص القانوني المباشر، فيما قال البعض الآخر إنها عمياء لأنها لا ترى الحقيقة التي تختفي وراء الظاهر، رغم أن الظاهر لا يعكس الحقيقة في كثير من الأحوال.
والأصل أن العدالة القضائية ترتكز على الإثبات بالأدلة والبراهين، وتلك أيضاً قابلة للصواب والخطأ وللتضليل والتلاعب بها، كما أن القائمين على تطبيق العدالة هم بشر غير معصومين من الخطأ الذي قد يقع من دون قصد، ولعل ذلك كان أحد الأسباب الذي جعل الأمم تتجه إلى إلغاء عقوبة الإعدام كعقوبة جنائية تعزيزاً للحق في الحياة، بعد أن تكرر ثبوت براءة أكثر من محكوم عليه بعد تمام تنفيذ حكم الإعدام بحقه، وبعد أن أُسقط في يد العطار فلم يعُد في مقدوره أن يُصلح ما أفسده الدهر، ومن هنا جاء التوجه إلى إقرار البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام عام 1989.
وأن السبب في تطرقي للمقدمة السابقة كان ما تابعناه من طلب تشكيل لجنة مشتركة بين السلطة التشريعية والحكومة لتقييم قانون العقوبات الذي تقدم به أحد أعضاء مجلس النواب، والحقيقة أن قانون العقوبات يُعد من أهم القوانين الوطنية التي تُعنى بضبط السلوك وحماية الحقوق، والتي يجب التعامل معها بحذر ودقة وإعمالها بشكل ضيّق، والتي لا يؤخذ عليها مسألة انقضاء عقود من الزمن بشكل كبير، والسبب في ذلك يرجع إلى أنه تشريع يُجرّم الأفعال ويُقرر لها عقوبات قد تنال من حياة الأفراد وحرياتهم وأموالهم، وبأن الأصل في الأفعال هو الإباحة، لذا فإنه من الأولى تضييق مجالات التجريم والعقاب، ولا يعني ذلك ألا يكون قانون العقوبات مواكباً للتطور البشري ومستجداته من السلوك الواجب التجريم كالجرائم الإلكترونية مثلاً، ولكن في رأيي أن هناك قوانين أكثر أهمية تُعنى بصالح المواطن وتحسين مستواه المعيشي والحفاظ على مكتسباته تستوجب التركيز واستغلال فترة الفصل التشريعي السادس للاشتغال عليها وإصدارها خلاله.
وعلى صلة بموضوع قانون العقوبات، فإن من بشارات شهر رمضان المبارك، بدء وزارة الداخلية تنفيذ المرحلة الثانية من قانون العقوبات والتدابير البديلة وذلك بتفعيل برنامج السجون المفتوحة باعتباره برنامجاً واعداً ومتطوراً على صعيد تعزيز الحق في الحرية الشخصية في ظل توجه النهج الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم إلى تطبيق السياسة الجنائية الحديثة والتي قوامها الأساسي هو احترام وتعزيز حقوق الإنسان بمراعاة الجانب الإنساني من خلال التركيز على الإصلاح والتأهيل لا العقاب، وتهدف إلى تأهيل المحكوم عليه وإعداده لمعاودة الاندماج في المجتمع باعتباره مواطناً صالحاً نافعاً لوطنه، وبالتالي فإن إعادة تفعيل دور عدد يقارب الخمسة آلاف من المستفيدين من هذا البرنامج في المجتمع في هذه المرحلة يُعد مؤثراً بشكل إيجابي في الوطن والمواطن وفي أفراد أسرته، لا سيما وأن مجمع السجون المفتوحة يُعد صرحاً معمارياً متطوراً على جميع الأصعدة الإنشائية والتشغيلية والخدماتية والتأهيلية والتعليمية والرياضية والترفيهية، فهو يُعد بيئة متطورة ومتقدمة للمؤسسات الإصلاحية التي تشرف عليها وزارة الداخلية بقيادة معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية الموقر.
وفي ظل البشارات الرمضانية، وحيث إننا في الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك، فإن تطلعاتنا وسقف آمالنا يرتفع إلى أن تطال بشارات هذا الشهر الكريم مستوى المواطن المعيشي الذي يثقله الخروج عن مألوف مصروفاته المعتادة، وكلنا على علم بمتطلبات شهر رمضان والعيد وأثرها في كاهل ربّ الأسرة، ولعل تلك الآثار تزول، ربما بمبادرة كريمة بمكرمة من قيادته بالأمر بصرف راتب إضافي للمواطنين يُسهم في تخفيف الأعباء وإدخال الفرحة على قلوب أبناء الوطن، الذين تباعدت الشقة بين مواردهم ومصروفاتهم وأصبحوا بحاجة إلى متنفس يضفي على عيدهم فرحة هم وأبناؤهم في أشد الحاجة إليها.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك