نقاشات ساخنة حول العقلية الإيرانية وصعود الصين ومستقبل الدولار
رئيس التحرير يقدم نظرة تحليلية لتفكير النظام الإيراني حاليا
أنور عبدالرحمن: التنين الصيني يضع مصيره في يد إيران
الغرب يعاني من عقدة الاستعلاء.. والتحول نحو الصين يحتاج إلى سنوات
السفير الألماني: الصين ترهن سمعتها الدولية في يد الإيرانيين
بكين كسرت الفولاذ بين السعودية وإيران بفضل العقوبات الغربية ضد طهران
إبراهيم زينل: الصين أكبر مستثمر في السندات الأمريكية
خميس المقلة: شعوب المنطقة تواقة للاستقرار.. ودفعت ثمنا باهظا لأجله
للوهلة الأولى عندما تزور مجلس إبراهيم زينل بالجفير تظن أن الحديث سوف ينحصر حول الأوضاع الاقتصادية، وخاصة أن صاحب المجلس من رجال الأعمال البحرينيين الذين لهم باع طويل في الأنشطة التجارية المختلفة على رأسها القطاع الغذائي، لكن السهرة الرمضانية في هذا المجلس العامر خالفت كل التوقعات.
وكان الحضور الدبلوماسي اللافت لعدد من السفراء يمثلون دولا من الشرق والغرب سببا لفتح شهية الحوار الذي تخلى عن عباءة الدبلوماسية المعتادة في اللقاءات البروتوكولية، ولكن تزين برداء من الصراحة في تناول أهم القضايا والملفات المطروحة على الساحتين الإقليمية والعالمية.
وتحولت الليلة الرمضانية إلى منتدى حواري فكري، تبادل خلاله الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس تحرير «أخبار الحليج» الرؤى مع رواد المجلس حول تأثيرات الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، وقدم قراءة تحليلية للفكر الإيراني، كما تطرق اللقاء إلى تنامي الدور الصيني في المنطقة والعالم، والعلاقات بين العرب والغرب ومستقبل الدولار في النظام المالي العالمي.
البداية مع العقلية الإيرانية
بدأ اللقاء مع ترحيب صاحب المجلس السيد إبراهيم زينل بالسيد ياسر شعبان سفير جمهورية مصر العربية لدى مملكة البحرين، وبالسيد هاي كوان تشونغ سفير جمهورية كوريا الجنوبية لدى مملكة البحرين، الذي كشف عن أنه قضى 3 سنوات في البحرين، لكنه يقضي أول شهر رمضان له في المملكة هذا العام، حيث أتيحت له الفرصة لزيارة المجالس الرمضانية بعد جائحة كورونا.
بادر السفير الكوري بتوجيه حديثه إلى الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير، مؤكدا أنه تابع لقاءاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي التي استضافتها مملكة البحرين مارس الماضي، مشيرا إلى اللقاء الذي أجراه رئيس التحرير مع الوفد الإيراني المشارك في هذه الاجتماعات.
وعلق أنور عبدالرحمن قائلا: إنه من الصعب التعامل مع الإيرانيين.
وتساءل إبراهيم زينل عن أسباب صعوبة ذلك؟
ووجه رئيس التحرير حديثه للسفير الكوري قائلا: معالي السفير، أنا آسف لأنني لا يمكنني أن أخبرك بما أعرفه عن الإيرانيين، لأنني إذا قلت كل الحقائق فسوف تجد أن الكثيرين سوف يفقدون صوابهم بسبب ذلك.
وأضاف أنور عبدالرحمن: عندما نتحدث عن العقل الإيراني فإن السؤال الكبير هو كيف يفكر الإيرانيون في الوقت الراهن؟
واستذكر رئيس التحرير أن أستاذا له طرح عليه سؤالا عن اللغة التي يفكر بها قبل الكتابة، هل هي العربية أم الإنجليزية أم الفارسية باعتبارها اللغات الثلاث التي يجيدها، ولكنه لم يتمكن من الإجابة عن هذا السؤال، مضيفا أن هذه هي نفس الإشكالية التي تواجهنا مع الإيرانيين حاليا، لأن العقلية الإيرانية متأثرة بعاملين رئيسيين، أحدهما هو البعد الديني الإسلامي الشيعي، أما البعد الآخر فهو القومية التي تحكم وتتحكم في توجهاتهم.
وتابع عبدالرحمن: عندما توقع اتفاقا مع الإيرانيين عليك أن تسأل نفسك بأي عقلية هم يوقعون معك هذا الاتفاق؟ وهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، ومع ذلك فإن الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي يحترمون اتفاقاتهم مع إيران، وهذا أمر واضح، لكن طهران لها رؤاها الخفية.
وعلق السفير الكوري قائلا: هل تقصد وجود مشكلة في المصداقية؟
وقال الأستاذ أنور عبدالرحمن كلا، مشيرا إلى أن آفاق الفكر الفارسي تعتمد وتتغير بحسب المرجعية.
وطرح السفير الكوري سؤالا بشأن الاتفاق السعودي الإيراني الأخير، فأجابه رئيس التحرير مؤكدا أنه ينبغي علينا أن نقف عند تاريخ إيران وثقافتهم، وهو أمر يمكن استقاؤه مما كتبه المفكرون الإيرانيون أنفسهم، ونحن ندرك حقيقة أنهم حضارة عريقة، ولكنهم مازالوا يبحثون عن هويتهم هل هم مسلمون أم أنهم يمثلون قوميتهم فقط، لافتا إلى أن مصر دولة ذات حضارة عريقة أيضا، ومع دخول الإسلام، أصبح الفكر والموقف المصري واضحا للجميع، ولكن الوضع يختلف مع إيران تماما.
وشدد أنور عبدالرحمن على أن القومية الفارسية هي التي تحدد التصرفات الإيرانية، بمن فيهم المرجعية.
وتداخل إبراهيم زينل متسائلا: هل تقصد أنهم يفكرون كمسلمين لكنهم يتصرفون تبعا لتاريخهم القديم، إذن عندما يوقع الإيرانيون على اتفاق ما، بأي طريقة تفكير يجري ذلك؟
وعلق أنور عبدالرحمن أن ذلك يرتبط بالمزاجية التي تحكم تصرفاتهم، بمعنى أن ارتباطه بالحالة الراهنة التي تصاحب التوقيع على أي اتفاق، لأنك عندما تتأمل العقل الإيراني كأنك تطالع صورة ذات وجهين، وهذا يتضح عندما تقرأ لكبار الكتاب الإيرانيين، فمثلا أبو القاسم الفردوسي كان مسلما، ولكنه كان مفتونا بالقومية الفارسية، حتى أصبح كتابه «شاه نامه» «رسالة الملوك» حجة للتاريخ الفارسي واللغة الفارسية وبمثابة قدس الأقداس لديهم.
صعود الصين وعجلة التغيير في المستقبل
ومع وصول السفير كليمنس هاخ سفير جمهورية ألمانيا الاتحادية، طرح صاحب المجلس إبراهيم زينل سؤالا جديدا على رئيس التحرير، هل الاتفاق الذي جرى في الصين بين السعودية وإيران سيؤتي ثماره؟
وقال الأستاذ أنور عبدالرحمن إن الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بمدى ما تمتلكه الصين من خبرات لتحمل مسؤولية تطبيق هذا الاتفاق، وأعتقد أن التنين الصيني حاليا في يد المرجعية الإيرانية، فهل حكام طهران سوف يحققون ما يصبو إليه الصينيون، وحينها ستكون بكين قوة رئيسية في المنطقة، وذلك سيتحقق عندما تتمكن من إلزام السعودية وإيران ببنود الاتفاق.
وعاد زينل ليطرح سؤالا آخر حول ما إذا كانت الصين تمتلك الخبرات اللازمة للتعامل مع الأوضاع في الشرق الأوسط؟
وأجابه رئيس التحرير قائلا: بلا شك الصين لا تمتلك هذه الخبرات، إذ إنها حديثة العهد في الساحة الدولية، لكني أعتقد أنها مستعدة للعب دور مؤثر في هذه الساحة، لأننا نتكلم عن قوة عظمى جديدة، والصين تريد أن تظهر نفسها بهذه الصورة، وذلك من خلال نجاحها في حل المشكلات التي عجز الغرب عن التعامل معها.
وتابع أنور عبدالرحمن: مع الأسف أن الغرب يعاني من عقدة الاستعلاء، لكن الدول الآسيوية لا تعاني من هذه العقدة، لكن الغرب ينظرون إلى القضايا بمنطق أنهم هم السادة، مع العلم أن هذا كان يمكن أن يكون في الماضي وليس في الوقت الراهن، حيث يجب النظر بتمعن إلى ما حققته بلدان كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، مقارنة ببعض البلدان الأوروبية.
ودعا عبدالرحمن الغرب إلى العودة إلى الواقعية، لأن الزمن تغير، مشيرا إلى السنوات العشر القادمة سوف تشهد تحولات ضخمة، وغير طبيعية، مشددا على أن الغرب يجب أن ينظر إلى صورة المستقبل بعمق، لأن التغيير هو حقيقة تاريخية، وعليهم آلا يقفوا أمام عجلة التاريخ بنفس العقلية القديمة أو عقلية البوارج الحربية.
وعقب السفير الألماني كليمنس هاخ مؤكدا اتفاقه مع ما طرحه الأستاذ أنور عبدالرحمن حول أن الصين ترهن سمعتها الدولية في يد الإيرانيين، وهي مخاطرة تخوضها بكين، مؤكدا أن الجميع يتمنى نجاح الاتفاق السعودي الإيراني، حيث لا توجد دولة غربية ترفض أن يحدث تقارب بين طهران ودول الجوار العربي لها.
وبخصوص التغيرات الدولية، أوضح السفير الألماني أن الغرب يدرك أن التحولات على الصعيد الدولي قادمة، ولكن على الجميع أن يتمعن في المقاربات والأهداف التي تحكم صعود بعض القوى، مع ضرورة ضمان وجود العدالة الدولية.
ووجه إبراهيم زينل سؤالا إلى السفير الألماني حول ما إذا كان الغرب قد فوجئ بقدرة الصين على التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران، وخاصة أن بكين لم يكن لها دور فاعل في منطقة الشرق الأوسط من قبل، هل ذلك يعود إلى أن الأوروبيين تخلوا عن هذا الدور؟
وأجابه السفير الألماني قائلا: السؤال هو لماذا تمكنت الصين من الوصول إلى هذا الاتفاق؟ الجميع يعلم أن الأعوام القليلة الماضية شهدت تعاونا سعوديا إيرانيا بشأن الأوضاع في العراق، وهذا كان يحدث بالتنسيق مع الدول الغربية، مشددا على أن الاتفاق الصيني لم يأت من فراغ، كما أن الدول الأوروبية عملت مع العالم العربي للحد من التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، لافتا إلى أن العقوبات الغربية ضد طهران مهدت الطريق لهذا الاتفاق.
وأوضح أن العقوبات الغربية ضد إيران لم تكن بسبب التهديدات الإيرانية للغرب، ولكنها جاءت بسبب الممارسات الإيرانية في المنطقة وما حملته من تهديدات للدول العربية وإسرائيل، لافتا إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية مارسوا ضغوطا على طهران من أجل الدفاع عن مصالح دول المنطقة، رافضا ما يردده البعض حول فشل المساعي الغربية في هذا الشأن.
وقال السفير الألماني إن الصين لم تكن لتتمكن من كسر الفولاذ من دون العقوبات الغربية، موضحا أن بكين كانت لديها علاقات مع طهران والتي تمكنها من ممارسة ضغوط لإجبارها على الالتزام بالحفاظ على استقرار المنطقة.
وعلق السيد خميس المقلة مؤكدا أن شعوب المنطقة تواقة لاستقرار الأوضاع في هذا الموقع من العالم، وخاصة أنهم دفعوا ثمنا باهظا لعدم الاستقرار على مدار السنوات الماضية، مضيفا أن هناك تحولات كبيرة تحدث على الجانب الآخر من الخليج، وهو ما يدفع السعودية وإيران إلى التعامل مع ملفات مختلفة في المنطقة، سواء في اليمن أو سوريا.
وتداخل أنور عبدالرحمن قائلا إن الحقائق التاريخية تؤكد أن العلاقات العربية الغربية هي علاقات متجذرة، وقد استفاد الجانبان من بعضهما البعض، بينما الصين وسياستها الجديدة تجاه المنطقة نتمنى لها التوفيق، وعلى كل الدول أن تعمل معا لتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم،
وعقب السفير الألماني أن هناك مصالح مشتركة بين المنطقة والولايات المتحدة، وفي النهاية دول المنطقة هي التي تحدد توجهات مصالحها، ونحن واثقون بقدرتهم على الاختيار الصحيح.
وعاد إبراهيم زينل ليسأل من جديد حول إدراك الصينيين للعقلية الإيرانية، وخاصة أن الغرب يعرف الكثير عن أساليب إيران، وأجاب أنور عبدالرحمن مؤكدا أن المؤسسات الأوروبية تمتلك العقول التي تقرأ تاريخ المنطقة بعمق، وذلك على مدار ال 400 سنة الماضية.
وقال السفير الألماني: أنتم جزء من تاريخنا ونحن جزء من تاريخكم.
مستقبل الدولار
وانتقل صاحب المجلس بالحوار إلى منحى آخر، عندما استذكر تجربة تاريخية لعائلته في التعاون التجاري مع الصين، متسائلا عن مستقبل الدولار الأمريكي في التبادل التجاري العالمي، مشيرا إلى أن استخدام اليوان الصيني في التبادل النفطي سوف يضع العملة الأمريكية في ورطة؟
وعلق أنور عبدالرحمن أنه يعتقد أن الصين تدرك أن هذه الخطوة سوف تستغرق سنوات، مضيفا أنه مع دخول فصل الصيف فإن 70% من العوائل الخليجية سوف تسافر إلى أوروبا، لأنهم اعتادوا على ثقافتهم وأسلوب تفكيرهم وأسواقهم، وأي تغيير نحو الصين سيتطلب تغييرا للثقافة السائدة في المنطقة، مضيفا أنه لا يعتقد أن هذا سيحدث قبل تغيير جيل واحد.
بدوره أوضح السفير الألماني أن الأمر لا يرتبط بالتبادل النفطي، ولكن السؤال هو هل تضعون أموالكم في يد البنك المركزي الصيني؟، لافتا إلى أن الحديث عن أي تغيير في عملة التبادل التجاري العالمي يرتبط بعوامل عدة، وخاصة أن 60% من التجارة العالمية تتم بالدولار الأمريكي وحوالي 25% منها تتم باليورو، وهناك ضمانات للشفافية وحرية التداول واستقرار العملات، مضيفا أنه لا يمكن لكبار المستثمرين أن يضعوا استثماراتهم رهينة لعملة لا تتبع القواعد الاقتصادية المتعارف عليها، ولكنها تتبع القواعد السياسية.
وعلق إبراهيم زينل قائلا: هذا صحيح لأن أكبر المستثمرين في السندات الأمريكية هم من الصين، موضحا أن أكثر الدول التي سوف تستفيد من التبادل النفطي بعيدا عن الدولار الأمريكي هي إيران التي تسعى لتجنب آثار العقوبات الأمريكية والغربية.
وأوضح أنور عبدالرحمن أن 30% من الدولار الأمريكي حول العالم هو في يد الصين، وأي خسائر تلحق به سوف تؤثر على الصين نفسها.
وطرح د. عبدالقادر ورسمه المستشار والخبير القانوني تساؤلا حول تأثير منظمة بريكس التي تضم دولا كالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا على مستقبل الدولار الأمريكي كعملة للتجارة العالمية؟
وردا على المستشار عبدالقادر ورسمه وصف الأستاذ أنور عبدالرحمن بعض ما تشهده الساحة العالمية بأنه يشبه «political poker»، مشددا على أن الغرب يملك الكثير من العقول والمفكرين السياسيين والاقتصاديين، وقد تفرض المتغيرات على الدول التعامل حتى مع الشيطان لتحقيق مصالحها.
واختتم السفير الألماني حديثه مؤكدا أن السعودية ترسل الكثير من الرسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، وليست ببعيدة عن الغرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك