مدح الشعراء وتبركوا بقدوم شهر رمضان المبارك بما يستحق من طاعة وورع وعبادة وصدقات، وعددوا فضائل ليلة القدر والليالي العشر.
ولكن عددا من الشعراء الظرفاء في العصور الإسلامية خالف المدح وجنح إلى الظرافة من قبيل معاناة الصائم من الجوع والعطش والارهاق لا سيما حين يأتي رمضان في حمّارة القيظ وضيق الأنفاس. ولكل شاعر منهم موقف ولكل منهم ذريعة وسبب يبرر به ما يشبه الهجاء للشهر الفضيل. ويتداول كتاب السير والتاريخ تلك الأشعار في سبيل دفع الملل والتسلية والنظر إلى الوجه الآخر من رمضان.. ومعظم تلك الأشعار مما قيل في بلاط الخلفاء والأمراء كنوع من الفكاهة. وفيما يلي نماذج من اشعار الظرفاء:
* هذا هو الشاعر ابن الرومي يتذمر من الصوم في عـّز الصيف فيقول:
شهر الصيام مبارك * مالم يكن في شهر اب
خفت العذاب فصمته * فوقعت في نفس العذاب
وأضاف آخر
اليــوم فيـــــه كــأنه * من طوله يوم الحساب
والليــل فيـه كــأنــّه * لـيل التواصل والعتاب
وأضاف آخر
إن كنت قــّدرت الصيام * فاعفنــا من شهر اب
* وشاعر آخر يصّب جام غضبه على هلال رمضان فيقول:
لقد ســّرني أن الهلال غـديـّة * غدا وهو محقور الخيال دقيق
أضـّرت به الأيام حتى كأنه * سوار لواه باليدين رقيق
فقمت أعـّزيه وقد رقّ عظمه * وقد حان من شمس النهار شروق
ألا في سبيل الله أنك هالك * وأني بأن أبكي عليك حقيق
وأنك قد عـطّشتني وتركتني * وفي الصدر من طول الغليل حريق
*
* أما أبو بكر عطية الأندلسي فتجذبه حكمة الصوم فيقول:
إذا لم يكن في السمع مني تصامم * وفي مقلتي غـّض وفي منطقي صمت
فحظـّي إذا من صومي الجوع والظما * وإن قـلت أني صمت يوما .. فما صمت
*
* ويدلي صفيّ الدين الحلي (1276-1399) بشعره عن الصوم من زاوية هجر اللذات:
منظر الصوم مع توخيه عندي * منظر الشيب في عيون الغواني
ما أتاني شعبان من قبل إلا * وفؤادي من خوفه شعبان
كيف استشعر السرور بشهر * زعم الطبّ أنه مـرضان
فيه هجر اللذات حتما وفيه * غير مستحسن وصال الغواني
**
* وللشاعر العراقي المعروف معروف الرصافي نصائح رمضانية:
وأغبى العالميــن فتى أكول * لفطنتـه ببطـنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري * لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم * تكاثر في فطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعـّدوا * مطاعم ليس يدركها انهضام
وقالوا يا نهار لئن رجعنا * فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاء * وقد يتجـشّـؤون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض * الا ما هكذا فرض الصيام
*
* ثم إن فضيلة الشيخ عبد الحسين الحلي (قاضي التمميز الشرعي في محاكم البحرين-1936-1956) تفتحت قريحته الشعرية ورمضان البحرين في أيام الحرب العالمية الثانية وفي أشد شهور الصيف مع نقص في الثمرات وغلاء في السلع وضيق في المعيشة بسبب انقطاع سبل التجارة أيام الحرب. فرأى أن يعبر شعرا عن معاناة الجمهور ومما قاله في قصيدة طويلة ما يلي:
قـد ترقى (الرقـيّ) عنـّا فأضحى * كـرة حولها الشموس تـدار
ونسينا (البطـّيخ) حتى شككنا * أهو عطـر أم أنّــه عطـّار
ورق الفجل للعروس حـلـيّ * عندنا والرؤوس منها .. نثار
قد سـئمنا الكراث ليلا نهارا * ساء والله ليلنا والنهار
وطلبنا «النعناع» يوما فقالوا * حاز هـذا لنفسه ( المستشار)
نتقاضى أشيــاءنا «البطاقات» * سواء صغارنا والكبار
شـّر ما في ذوي اليسار احتقار * لذوي العسر بينهم واحتكار
لعبوا دورهم علينا ولما * يأت دور لنا عليهم يدار
سلبوا درهم القوي أيبقى * لفقير مستضعف دينار؟
حاربونا بالسعر والحرب في الأرض سعير * والكل منهــا فجار
أفعلم هذا الذي دمـّر البلدان .. والبيت لا عداه الدمار
أو خير ما ينبت الشـّر في الأرض * إذا طاب ما جنى الاشرار
قل لمن عــمّروا، لقد خرب العمران .. بغيا وابتزت الأعمار
فني الناس والذي ملكوه * فعلى أيهم يشـنّ المغار؟
وإذا ما الفناء عـمّ تساوى * بعده الانتصار والاندحار
ثم يعرج على رمضان فيقول:
جاء شهر الصيام يسعى ولكن * خـفّ مستقبلا له الإفطار
لا كفرنا به فليس علينا * فيه كفـّارة ولا استغفار
نحن في الصوم لم نزل وعلينا * فيه هيهات تحمل الاصـار
أيها الزائر المؤمل أهلا * بك لو زال قبلك الإعسار
*
وختاما بعد أن نغادر شعراءنا «الغاوون والذين هم في كل واد يهيمون» نعود إلى رمضان الخير والمغفرة نحييه بهذه الأبيات التي يناجيه فيها الشاعر أحمد مخيمر قائلا:
أنت في الدهر غــرّة وعلى الأرض سلام وفي السماء دعاء
يتلقاك عند لقياك أهل البر والمؤمنون والأصفياء
فلهم في النهار نجوى وتسبيح وفي الليل أدمع ونداء
ليلة القدر عندهم فرحة العمر تدانت على سناها السماء
في انتظار لنورها كل ليل * يتمنى الهدى ويدعو الرجاء
وإذا الأرض في سلام وأمن * وإذا الفجر نشوة وصفاء
وكأني أرى الملائكة الأبرار فيها وحولها الأنبياء.
***
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك