تطالعنا الصحف اليومية ووسائل الإعلام المختلفة بشكل منتظم بأنه تم توظيف آلاف الشباب العاطلين عن العمل، فإذا كانت هذه الأعداد المصرح بها حقيقة فإننا أمام تساؤلين؛ الأول: ما هو العدد الحقيقي للعاطلين؟ والآخر: إذا آمنا جدلاً بصحة توظيف هذه الأعداد، فكيف لا يزال الآلاف يشتكون من عدم حصولهم على حقهم في العمل؟
من موقعي -كممثل للشعب- فإنه لا يمضي يوم واحد دون تسلم عشرات السير الذاتية لعاطلين يرغبون في الحصول على فرصة عمل، ألا يتنافى ذلك مع هذه التصريحات؟ علاوة على المناقشات والتصريحات الأخرى لغالبية السادة النواب حول الأرقام الحقيقية للبطالة، إضافة إلى طبيعة الوظائف التي تعرض على العاطلين، والتي لا تتناسب مع تخصصاتهم، فنجد خريج التربية الرياضية على سبيل المثال يعمل بشهادة الثانوية العامة ليأسه من الحصول على وظيفة معلم؛ كون الوزارة مكتفية بعدد المعلمين الذين تم توظيفهم. ففي الثاني والعشرين من شهر مارس الماضي اجتمعت مع بعض عاطلي هذا التخصص؛ لمناقشة سبل حلحلة أوضاعهم، فمن غير الطبيعي أن يتجاوز خريجو التربية الرياضية الثلاثمائة عاطل!! فوجهت إليهم سؤالاً عن أكبر هؤلاء الخريجين سناً، فإذا بي أُصدم بالإجابة بأن أكبرهم تجاوز الأربعين من العمر ولم يحصل على فرصته في العمل. أشرت أعلاه إلى مشكلة عاطلي التربية الرياضية، فما هو حال خريجي التخصصات الأخرى؟ كالطب بمختلف تخصصاته، والهندسة، والطيران، وتقنية المعلومات، والقانون، والمحاسبة، وإدارة الأعمال، والآداب، والإعلام، والتخصصات التربوية، وغيرها مما يطول سرده، فحل مشكلة العاطلين يتطلب تكاتف وتعاون السلطتين تعاوناً حقيقاً وبإرادة صادقة للقضاء على آفة البطالة التي باتت تنخر في جسد الوطن.
وفي سياق متصل، لا بد من الإشارة إلى خريجي الطب تحديداً؛ إذ إن أهاليهم يستدينون ويبذلون الغالي والنفيس لتعليم أبنائهم، وبعد تخرجهم لا يحصلون حتى على أبسط متطلبات التخرج، وأعني هنا سنة الامتياز، وهذه الفترة التدريبية إجبارية لخريجي الطب، فلا يحصل الطالب على شهادة التخرج إلا بعد إتمامه اثني عشر شهراً من التدريب السريري الفعلي بعد نجاحه في جميع مواد الخطة الدراسية، فقد صادفت الكثير من الحالات التي لا تجد مجالاً للتدريب في مستشفيات المملكة؛ إلا اللجوء إلى مستشفيات في بعض الدول الخليجية؛ ما يزيد الحمل على كاهل أهاليهم بتكبدهم المزيد من التكاليف الباهظة، فقد أخبرني بعضهم أن التدريب في الخارج يكلف ما بين 300 و400 دينار شهرياً؛ فماذا بوسع أولياء الأمور فعله طالما أنه متطلب إجباري سوى الرضوخ؟ إذ لا يحصل الطالب على شهادة التخرج دون اجتياز هذا التدريب. ولولا التوجيه الكريم لسمو ولي العهد لزيادة الإسهام في توظيف الأطباء البحرينيين ودعم مستواهم المهني لما تم تحريك ساكن في مشكلة توظيف الأطباء. فهل من المعقول أن يتدخل سموه لحلحلة مشكلة عاطلي جميع التخصصات؟!!
فمن منطلق التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يجب ذكر ما كفله دستور المملكة؛ إذ تنص المادة 13 منه في الفقرة (أ): «العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب». والفقرة (ب): «تكفل الدولة توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه». فحدد الدستور مسؤولية توفير فرص العمل على الدولة أولا. ويقع على عاتق السلطة التشريعية تشريع ما يلزم من قوانين لحل مشكلة البطالة في سبيل بحرنة جميع القطاعات، فبحسب إحصائية السكان لعام 2021م فإن المملكة تحتضن من الأجانب ما نسبته 53% من تعداد السكان؛ أي ما يتجاوز 780 ألف أجنبي جميعهم يعملون في مختلف الوظائف، ونعجز عن توفير وظائف لبني جلدتنا، فديننا الإسلامي الحنيف أوصانا بأن الأقربين أولى بالمعروف، وهذا ما يجب علينا تحويله إلى واقع ملموس، أسوة بدول مجلس التعاون التي توجهت إلى توطين أغلب الوظائف؛ إذ لا يكفي لبلوغ ذلك وجود النص الدستوري، بل يجب العمل على جعله واقعاً ملموساً بجعل المواطن أولا.
ومن باب المسؤولية المشتركة فإنني أمد يد التعاون للجميع في سبيل العمل على إحلال البحريني لتبوء الوظائف المختلفة، وهذا ما بدأته فعلاً، عندما تقدمت باقتراح برغبة بصفة الاستعجال بقيام الحكومة الموقرة بوضع برنامج لتطوير الكفاءات الوطنية لصقل مهاراتها والارتقاء بها مهنياً وزيادة تنافسيتها وازدهارها بالسوق المحلي بما يدعم فرصها في الحصول على وظائف تنفيذية، والذي نال موافقة مجلس النواب، وتمت إحالته إلى الحكومة الموقرة؛ لإيمان الجميع بأن شباب البحرين قادر على تولي زمام الإدارة والتميز أينما حل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك