زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كله على رأس الأم
من البديهيات أن «العائلة» قد تكون بؤرة للأمراض، فحتى لو لم تكن تربط أفراد العائلة رابطة قرابة – أي كالزوج والزوجة، فإن الأمراض المعدية تنتقل من بين أفراد العائلة الصغيرة لأنهم يتقاسمون نفس الأطعمة ويتنفسون نفس الهواء، ولتقريب الصورة أقول: إن الزوجين اللذين يأكلان الفسيخ مثلاً عرضة للتسمم والاضطرابات الهضمية، وإذا كان بيتهما سيء التهوية أو قذراً أو يقع قرب منطقة ملوثة الهواء، فإن احتمال إصابة كليهما بالحساسية في الأنف أو الصدر أو الربو الشعبي تبقى كبيرة.
وتأثير العائلة على الصحة يتجلى أيضاً في حدوث أمر مأساوي وفاجع لأحد أفراد الأسرة، يترك انعكاسات قد تكون مدمرة للصحة العضوية والنفسية لبقية أفرادها، وأكدت أبحاث في عدة جامعات أمريكية أن نسبة الوفيات بين الأزواج من الجنسين تكون مرتفعة بعد وفاة أحدهما بسنة أو اثنتين، فمهما شكا زوج (والكلمة تعني الرجل والمرأة في العلاقة الزوجية) من «بلاوي» الزواج، فإنه وفي التحليل الأخير يبقى قوي الصلة بالطرف الثاني في الزواج (تحضرني هنا طرفة العائلة التي استعانت بخادمة من الهند، ومن باب المناكفة قال الزوج لزوجته: هل لاحظت كيف ان الهندية تلاحقني بالنظرات والابتسامات؟ فجاءه الرد الدبلوماسي الرومانسي: عادي، أصلا الهنود يعبدون البقر).
وفي عائلتي شاهد محزن على فداحة الفقد بالموت في العائلة، فقد ظلت أختي فاطمة – رحمها الله – متزوجة بابن عمتها (وعمتي) حسن لنحو 35 سنة لم يرزقا خلالها بعيال، وكانا متحابين لا يكادان يفترقان.. يسافران إلى كل مكان سويا.. ويزوران الناس سويا.. وكان الزوج (حسن) لا يتناول أي وجبة خارج البيت مهما كانت ارتباطاته العملية، وكان لحُسن حظه يمارس العمل الحر، وفجأة توفي حسن بنوبة قلبية، وبدأت أختي فاطمة تذوي ولحقت به بعد أقل من شهرين، من دون أن ينجح الأطباء في معرفة سبب ذبولها التدريجي، ولا أذكر أنني رأيتها مريضة بغير نزلات البرد العادية، ولكن، وبعد وفاة زوجها تكالبت عليها أدواء لم يعرف الطب لها تفسيرا، وسرعان ما لقيت ربها.
ولكن تأثير الأحداث المأساوية على أفراد العائلة لا يقتصر على (الموت) فإصابة فرد بإعاقة توجب توفير رعاية على مدار الساعة له، قد يكون لها تأثير قوي ومُر على حياة بقية أفراد العائلة، فالمعاق يجب أن يحظى بأكبر قدر من الاهتمام، ومعنى ذلك أن بعض أفراد الأسرة المحتاجين لقدر من الرعاية يتعرضون لبعض الإهمال، وبما أن عبء الرعاية ذلك غالباً ما يقع على الأم/، فإن الزوج/ الأب يتساءل بكل غباء: لماذا صارت تهمل أمري وأمر نفسها؟ وإذا كان للمعاق إخوة صغار فإنهم يحسون في تلك السن الغضة بأنهم غير مرغوب فيهم وهامشيون.. بل وقد يحس بعضهم بالذنب لكونه معافى بينما هناك أخ أو أخت تعاني إعاقة.
ويقودنا هذا الحديث إلى معاناة الأم التي تتفاقم بقدوم مولود جديد، حتى ولو كان ذلك المولود في كامل صحته، وقد أثبت مسح أجراه معهد طبي أمريكي أن 42 في المائة من الأزواج يعتقدون – بعد ولادة الطفل الأول – أن زوجاتهم مقصرات في حقهم. وبداهة فإن أولويات الزوجة تتغير بمجرد الإنجاب: ساعات نوم أقل وعمل منزلي إضافي وحركة دائبة: الرضيع بلل جسمه ولا بد من غسله.. وهناك البامبرز.. والرضاعة (والرجال لا يعرفون أن شفط الوليد للبن من ثدي أمه يؤلم في أحيان كثيرة).. وبكاء الرضيع بسبب وبدون سبب (والزوج يصيح: سكتي الثور هذا)، وكم من زوج يحمل مخدته وينتقل إلى غرفة أخرى بعيداً عن الرضيع المزعج.. ولهذا تتعرض النساء لنوبات من الاكتئاب أكثر من الرجال، ومن الثابت طبيا ان نساء كثيرات يصبن بما يسمى اكتئاب مع بعد الولادة. والاكتئاب يقتل الفرح والضحكة وقد يؤدي إلى انفجارات عائلية تنتهي بالفركشة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك