هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
هل سترفع الرايات البيضاء قريبا؟
من خلال المواقف المعلنة لجميع أطراف الصراع، وتحديدا الأطراف المؤثرة والمشاركة فيه بقوة، يمكن القول إن جميع أبواب الحل السلمي للحرب الدائرة في أوكرانيا يبدو أنها أغلقت بشكل محكم، فالدول الأوروبية، وحلف شمال الأطلسي زج بثقله اللوجستي في هذه الحرب من خلال تقديم مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة للجانب الأوكراني ويعلنها صراحة أنه لن «يسمح» لروسيا بتحقيق الانتصار، لأن مثل هذه الانتصار، حسب تصريحات أكثر من مسؤول من مسؤولي الدول الغربية، هو هزيمة لحلف الناتو نفسه، في مقابل هذا الموقف يؤكد المسؤولون الروس في أكثر من مرة إصرارهم على تحقيق الأهداف التي من أجلها انطلقت العملية العسكرية الخاصة في الرابع والعشرين من فبراير من العام الماضي، ويؤكدون أن الدعم الغربي لأوكرانيا لن يغير من هذا الموقف، ولن يؤدي سوى إلى إطالة أمد الحرب والخسائر البشرية، خاصة في الجانب الأوكراني.
جميع الحروب تنتهي بجلوس أطرافها حول طاولة المفاوضات، إما لتوقيع أحد أطرافها صك الاستسلام للطرف، أو للأطراف الأخرى، كما حدث مثلا في نهاية الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا النازية أمام الحلفاء، وإما لقناعة أطراف الحرب باستحالة تحقيق أي منهم النصر تجاه الآخر، وبالتالي لا يبقى أمامهم سوى البحث عن مخرج تحت صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، وهذه الصيغة لا يبدو حتى الآن أنها تدور في خلد أي من أطراف الصراع في أوكرانيا، وفي نفس الوقت، فإن المعارك الدائرة في مناطق الصراع لا تؤشر على قرب تحقيق أي من الأطراف انتصارا حاسما يجبر الطرف الآخر على القبول بشروطه، حتى وإن لم يكن تحت الراية البيضاء.
الحرب الروسية الأكرانية، لم تعد حربا بين دولتين جارتين، بل وشقيقتين من الناحية العرقية والدينية أيضا، وإنما هي حرب تشبه الحرب الكونية، وإن كانت ليست بالمعنى الفعلي للحرب الكونية، لعدم وجود مشاركة فعلية علنية لأكثر من طرف في هذه الحرب، ولكنها من حيث الواقع تعبر عن حرب طرفها الأول روسيا والطرف الثاني الدول الغربية التي زجت بنفسها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، في هذه الحرب من خلال تقديم شتى المساعدات العسكرية والاقتصادية للجانب الأوكراني الأمر الذي جعل أوكرانيا تقاوم، حتى الآن، الآلة العسكرية الروسية الضخمة.
خطورة هذه الحرب تكمن في أن أطرافها المؤثرين والفاعلين يملكون من أسلحة الدمار ما لم يكن متوفرا وبأيدي قادة الحروب السابقة الكبيرة، وفي مقدمتها الحرب العالمية الثانية، حيث لم تتوصل أي من الدول المشاركة فيها إلى اقتناء السلاح النووي، إلا بعد انتهاء الحرب بهزيمة ألمانيا النازية، كما هو الحال الآن حيث بين أيدي صناع القرار في روسيا وأمريكا وحديهما ما يكفي من هذه الأسلحة لتدمير الحياة على الكرة الأرضية تماما، وهنا تكمن الخطورة من وراء استمرار الحرب في أوكرانيا وإغلاق الأبواب، حتى الآن، أمام أي مساع لإيجاد مخرج تقود الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
سبق لنائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف أن صرح بأن «الدولة النووية لا تخسر الحرب»، وهذا يعني أن بلاده لن تقبل الهزيمة في هذه الحرب، كما يريد خصومها، بل وصرحوا بذلك علانية، كل هذه التلميحات والتصريحات، تجعل الجميع في حالة توجس من أية تطورات عسكرية راديكالية في ساحة المعركة الحالية، خاصة مع الحديث عن استعدادات عسكرية أوكرانية ضخمة مدعومة بأسلحة أوروبية وأمريكية نوعية، لبدء ما يسمى بــ«هجوم الربيع» في محاولة لإخراج القوات الروسية من الأراضي التي سيطرت عليها بعد بدء العملية العسكرية الخاصة.
جميع الأطراف النووية تقول إنها لن تلجأ إلى السلاح النووي إلا في حالة تعرضها لعمل عسكري من شأنه أن يهدد وجود الدولة، كما هو الحال مع العقيدة النووية الروسية، ولكن هناك قراءة وفهم نسبي لنوع وشكل التهديد الذي يبيح اللجوء إلى السلاح النووي، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرح بأنه سيكون هناك رد روسي قاس في حالة استخدمت أوكرانيا قذائف اليورانيوم المنضّب البريطانية التي سبق أن وعدت لندن بتقديمها إلى أوكرانيا؟ وهل ستعتبر روسيا مثل هذا الاستخدام تهديدا لأمنها وأمن مواطنيها، خاصة وأن هذه القذائف تترك أثرا خطيرا على صحة الإنسان، كالعراقيين الذين تعرضوا لتأثير هذه القذائف التي استخدمتها القوات الأمريكية خلال جريمة غزو العراق عام 2003؟
متى ستسكت مدافع هذه الحرب، وكيف، وإلى أين سيتجه العالم مع استمرارها؟ هذه كلها أسئلة يتداولها المراقبون والمتتبعون لسير العمليات العسكرية وتطورها، من دون أن يقدم أي من هؤلاء القراءة التي يمكن أن تعطي الإجابة الصحيحة، نسبيا، لمثل هذه التساؤلات، لكن المؤكد هو أن الإنهاك سيطول الجميع من دون استثناء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك