هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
التعدي على المعتقدات ليس حرية رأي
من المؤكد أن قرار المملكة المتحدة منع مؤسس حزب «سترام كورس» الدنماركي المتطرف راسموس بالودان من دخول المملكة المتحدة، بعد أن هدد الأخير بحرق نسخة من القرآن الكريم في ميدان عام بمدينة ويكفيلد البريطانية، مع بداية شهر رمضان المبارك، هذا القرار البريطاني لا يشكل انتهاكا بريطانيا لحرية الرأي والتعبير، فهذه الحرية تتمتع بدرجة عالية من الحماية القانونية في المملكة المتحدة، لكن لدى البعض هي شماعة تعلق عليها الأخطاء، كما يحدث بالضبط من جانب بعض الدول الإسكندنافية عندما تعطي الموافقة القانونية والترخيص لهذا المتطرف وغيره للقيام بعملية حرق نسخٍ من المصحف الشريف في الأماكن العامة، من دون أن تضع هذه العواصم أي اعتبار واحترام لمشاعر مئات الملايين من المسلمين في كل أنحاء الكرة الأرضية.
في الآونة الأخيرة شهدت العديد من عواصم الدول الأوروبية جرائم حرق لنسخ من المصحف الشريف، كما حدث مثلا في السويد والدنمارك وهولندا، وكانت الحجج التي تتذرع بها هذه العواصم للمنع، أن مثل هذه الأفعال لا تندرج تحت طائلة الجرائم، وإنما هي شكل من أشكال التعبير وحرية الرأي، متجاهلة المبدأ الثابت والمعروف الذي يقول إن حرية الفرد أو الجماعة تتوقف عند حدود التعدي على حرية الآخرين، فلا يجوز تحت حجة حرية التعبير التعدي على مقدسات الآخرين وانتهاك مشاعرهم الدينية أو العرقية.
ما يقوم به أمثال هؤلاء المتطرفون من تعد سافر على كتاب مقدس لدى مئات الملايين في كل أنحاء العالم، ليس سوى شكل من أشكال جرائم الكراهية والعنصرية، وهو تعبير ملموس عن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي انتشرت في أوساط عديد من المجتمعات الأوروبية، وإن السماح لمثل هذه الأعمال إنما هو تعزيز وتشجيع لهذه الظاهرة، ومخاطر هذه الأفعال إنها لا تتوقف عن إهانة مشاعر مئات الملايين من المسلمين فقط، وإنما هي أفعال تحمل في طياتها تهديدات خطيرة للسلم الأهلي خاصة وأن هذه المجتمعات تتألف من عدة مكونات دينية وعرقية، ويشكل المسلمون في عديد من هذه الدول نسبة لا يستهان بها.
فالسماح بمثل هذه الأفعال يعد تعديا خطيرا على مشاعر الآخرين ومعتقداتهم الدينية، ومثل هذه الأفعال تعد من وجهة نظر جميع القوانين، جريمة.
وكما قال وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو في تعليق له على قرار فنلندا عدم السماح بحرق القرآن الكريم على أراضيها، أن «الجريمة ضد الإنسانية ليست حرية تعبير، هذه تعد جريمة كراهية، والكراهية ليست حرية تعبير»، وهي الحجة التي اتكأت عليها كل من هولندا والسويد والدنمارك حين سمحت لعدد من المتطرفين الإقدام على مثل هذه الأفعال الدنيئة.
دولتان مثل فنلندا والنرويج أيضا اللتان رفضتا الترخيص لطلب عدد من المتطرفين السماح لهم بحرق نسخ من القرآن الكريم، لديها قوانين تنظم وتحمي وتصون حرية الرأي التعبير، وهي حرية لا تقل عن تلك التي يتمتع بها المواطن والمقيم في دول أخرى مثل السويد والدنمارك وهولندا، لكن الدولتين نظرت إلى طلب الترخيص بحرق نسخ من القرآن الكريم، من منظار المصلحة الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى، فإن الإقدام على مثل هذه الأفعال لا تمت بأي صلة لحرية التعبير والرأي، بقدر ما هي شكل من أشكال التعدي على حرية الآخرين ومعتقداتهم الدينية.
هذه الدول التي تسمح لمتطرفين بالتعدي وإهانة المشاعر الدينية لمئات الملايين من المسلمين في كل أنحاء العالم، لديها من القوانين ما يجرم التشكيك، مجرد التشكيك، في تفاصيل جريمة «الهولوكوست» التي ارتكبها النازيون الألمان بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبار أن مثل هذا التشكيك يشكل إهانة لضحايا المحرقة، واستفزازا لمشاعر ملايين اليهود، وبالتالي، فإن مثل هذا الموقف القانوني لا يجب أن يغيب عندما يتعلق الأمر بمشاعر مئات الملايين من المسلمين في كل دول العالم، فاحترام المشاعر الإنسانية والعقائد الدينية، لا يجب أن يجزأ بحسب الدين أو العرق، فالكيل بمكيالين في مثل هذه القضايا، من شأنه أن يضر بالصالح العام والتماسك المجتمعي.
هذه الجرائم التي ترتكب باسم «حرية الرأي والتعبير»، لن تزحزح المؤمنين بالمصحف الشريف عن مواقفهم وتقديسهم، ولن تؤثر في إيمانهم بعقيدتهم ودينهم، ويخطئ من يعتقد أن مثل هذه الأفعال تحقق له مبتغاه، فهو مخطئ تماما، وفوق ذلك كله، فإن أفعال كهذه تسيء إلى الحرية التي يتشدقون بها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك