القراء الأعزاء،
تتسارع وتيرة أيام شهر رمضان المبارك كعادتها، إذ بالكاد ثبتت رؤية هلاله حتى انقضى الثلث الأول منه، وستمضي بقيّته سُراعاً وسط تساؤلات الجميع التي نسمعها كل عام: «مسرع ما راح!! تونا صايمينه أمس!!».
ومن أجمل ما في هذا الشهر الكريم المبارك هو أنه يأتي محملاً بالخير والعطاء والإيثار، لأنه يمتلك قدرة على تجريد نفس المسلم من أناها ومن انغماسها في الدنيا وملذاتها لينقلها إلى درجة من درجات الروحانية.
وقد تطرّق أحد الأصدقاء أثناء ندوة حضرتها الأسبوع الماضي عن طرق الأبواب لاستجداء مساعدات مالية والذي يزداد في شهر رمضان، وغالباً ما تختلف أراء الموجودين في البيت حول التعاطي مع السائل، فالبعض يقول: «اتركوهم لا تعطوهم فهم مجرد زمرة مستغلين»، ولكن هذا الصديق يرى أن السائل لم يطرق الباب إلا لحاجة حقيقية ويُجزل له العطاء بشكل يفاجئه.
وللأمانة فإنني وقبل أن أسمع هذا الرأي، كان لديّ عن شهر رمضان مواضيع كثيرة لا يتسع لها مقال واحد، لذا سأتطرق إلى أهمها، وهو هذا الموضوع، والذي يتصل –إلى حد ما– بمقال الأسبوع الماضي، المتعلق بفكرة التسول، إذ على الرغم من كون شهر رمضان شهرا تفيض فيه النعم على الجميع، إلا أنه ما زال من الشهور التي ينشط فيها لدى البعض استجداء المساعدات النقدية والعينية، رغم كل ما وفرته الدولة من خطط حكومية للدعم كضمان اجتماعي، بجانب جهود المؤسسة الملكية والجمعيات الخيرية المختصة بتقديم المساعدات والتي تجدها في كل مناطق البحرين تقريباً، بالإضافة إلى ما تجود به نفس أصحاب الأيادي البيضاء في كل مكان.
قد يقول البعض إن الحاجة هي السبب، وأقول قد يكون ذلك صحيحاً فالبعض صاحب حاجة حقيقية ولكن ليس الكل، إذ إن البعض يمارس الاستجداء، لا لحاجة بل لرغبة في الاستزادة، ويتم استغلال شهر رمضان باعتباره فترة ثريّة بالعطاء، فيُسهم ذلك في خلط أوراق أصحاب الحاجة الحقيقية بالطامعين في الاستزادة.
وأعلم أن مستلزمات ومتطلبات شهر رمضان والعيد كثيرة جداً وثقيلة على الجميع لأنها تقلب طاولة الميزانية على رأس ربّ الأسرة، لذا أصبح التفات السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى موضوع كفالة المستوى المعيشي الملائم للمواطن من الضرورات التي يجب أن توضع في مقدمة اهتمامات وأهداف هاتين السلطتين، لاسيما وأنه يتقاطع مع أكثر من هدف من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بخطة البحرين الاقتصادية 2030 والخطة الوطنية لحقوق الإنسان 2022-2026.
لذلك أرى أنه على جميع الجهات المختصة متعاونة ومتضامنة، البدء بعمل استبانة لاستقصاء أحوال المواطنين، باعتبار أن موضوع احتياجات المواطن بات بحاجة إلى دراسة حقيقية تكون هي النواة الأولى لتحقيق مستوى معيشي ملائم يغني أفراد المجتمع عن الحاجة ويحفظ لهم كرامتهم الإنسانية التي تعتبر مرتكزاً مهما من ركائز النهج الإصلاحي الملكي، ويحقق لهم الطمأنينة التي تُعد من أسس دستور مملكة البحرين المعدل 2002.
ولا يعني ذلك أن تتوقف العطاءات وأن تمتنع الأيادي البيضاء، بل على العكس يجب أن تستمر وتزيد بقدر ما يزيد الفائض من أموال المقتدرين بارك الله لهم فيها، استجابة لقوله تعالى: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) الآية 7 من سورة الحديد.
ذلك أن ثقافة التكافل الاجتماعي هي أساس من أساسات ديننا الإسلامي الحنيف، الذي اتخذ من الزكاة ركناً من أركانه الخمسة، وعلى الصدقات والتراحم والتعاون ومساعدة الغني للفقير، ولكن بلوغ أهداف وتحقيق هذه الثقافة يقتضي إيصال الأموال إلى مستحقيها، لكي تُسهم في سد حاجتهم، لا أن تكون وسيلة لإثراء غير المستحق على حساب أصحاب الحاجة الفعلية، وخاصة لأن أصحاب الحاجة الفعلية تجدهم دائماً في حالة تعفف وإخفاء لحاجتهم حتى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) الآية 273 من سورة البقرة.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك