هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
روسيا والصين من الشراكة إلى التحالف
أحدثت زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى روسيا، وهي الزيارة الخارجية الأولى له بعد انتخابه لولاية رئاسية ثالثة، والتصريحات التي صدرت عن الزعيمين الصيني والروسي فلاديمير بوتين فيما يتعلق بالطبيعة الاستراتيجية لعلاقات بلديهما، ردود أفعال متباينة لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل السياسة الغربية الهادفة إلى عزل روسيا الاتحادية وتدمير اقتصادها عن طريق العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة والتي فرضتها هذه الدول بعد إطلاق روسيا العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في شهر فبراير من العام الماضي، فالعواصم الغربية وواشنطن تتحسب وتتوجس من طبيعة التحالف الاستراتيجي الذي أعلنت عنه موسكو وبكين، وهو التحالف الأول من نوعه بين الدولتين اللتين عملت واشنطن على مدى عدة عقود لإبعادهما عن بعضهما البعض، خاصة إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
ما سميت بــ«سياسة كرة الطاولة» مع الصين التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون بقيادة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر والذي كان حينها يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس في فترة السبعينيات من القرن الماضي، لم يعد لها وجود في قاموس الإدارات الأمريكية، خاصة بعد انتهاء ما يعرف بالحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي السابق، حيث حولت الإدارات الأمريكية الاهتمام نحو الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية، التحدي الاستراتيجي الأكبر، خاصة مع تطورها الاقتصادي الهائل وترشحها لإزاحة أمريكا عن الصدارة الاقتصادية العالمية.
فالولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وبدلا من مواصلة سياسة إبعاد الصين عن روسيا، انتهجت سياسة أخرى، خاطئة بكل المقاييس، خاصة فيما بتعلق بالموقف من جزيرة تايوان الصينية، وهي السياسة التي تتناقض مع الاعتراف الأمريكي بمبدأ الصين الواحدة، ثم جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ولجوء العواصم الغربية وواشنطن إلى سلاح العقوبات والعزل السياسي تجاه روسيا، ومحاولة الضغط على بكين للابتعاد عن روسيا.
كل ذلك جعل القادة الصينيين يتمعنون جيدا في مستقبل ما بعد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية والنتائج التي سوف تتمخض عنها، فهؤلاء باتوا على قناعة تامة من أن سياسة التطويق وإعاقة تقدم الصين، أصبحت هي السياسة الواضحة وشبه الثابتة للإدارة الأمريكية، وهناك الكثير من المؤشرات والدلائل التي تجعل القادة الصينيين على قناعة من ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر، تحالف «أوكوس» الذي يضم كلا من أمريكا وبريطانيا وأستراليا، هذا التحالف تعتبره الصين موجها ضدها إلى جانب استمرار واشنطن في تعزيز القوة العسكرية لجزيرة تايوان الصينية وتغذيتها للنزعة الانفصالية للقيادة التايوانية.
في وداعه لمضيفه الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، قال الزعيم الصيني وهو يصافح: «الآن، هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام، عندما نكون معًا، نقود هذه التغييرات»، هذه الكلمات لها معنى استراتيجي بعيد المدى، ويعكس حقيقة التغيرات التي طرأت على العلاقات الصينية الروسية، ومدى حاجة الجانبين إلى تعزيزها، وربما تحويلها إلى درجة التحالف على مختلف الأصعدة، بما في ذلك العسكرية، حيث تشعر العاصمتان أنهما مستهدفتان، اقتصاديا وعسكريا، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وبالتالي فإن تحالفهما يعزز من قدراتهما لمواجهة هذا الاستهداف.
وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر وصف الصين بأنها «أكبر مشكلة للولايات المتحدة والعالم بأسره بسبب ضخامة القدرات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وبشكل يفوق بشدة حالة الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان قوة عسكرية فقط، ولم يصل إلى القوة الاقتصادية والتكنولوجية التي وصلت إليها الصين»، فهذه حقيقة دامغة تدركها الولايات المتحدة وحلفاؤها، فإذا ما أضيف إلى هذه القدرات الصينية المتنوعة، تلك القدرات الروسية العسكرية الهائلة، فإن حجم التحدي بالنسبة إلى واشنطن والعواصم الغربية سيكون عظيما ومعقدا.
فإذا كانت «سياسة كرة الطاولة» نجحت في إعاقة إقامة علاقات شراكة وثيقة بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد السوفيتي السابق، (الخلاف الأيديولوجي لعب دورا في نجاح تلك السياسة)، إذا كانت «سياسة تنس الطاولة» جلبت ثمارا طيبة للسياسة الاستراتيجية الأمريكية، فإن سياسة الاحتواء والتطويق وعرقلة التقارب الصيني الروسي، هي الأخرى جلبت منافع ثمينة، لكن هذه المنافع لم تذهب إلى الخزينة السياسية الأمريكية، وإنما إلى خزينتي موسكو وبكين، حيث عجلت هذه السياسة من خطوات التقارب والشراكة الاستراتيجية بين العاصمتين، وهي كلها عوامل تهيئ الأرضية الصالحة لقيام تحالف بينهما على مختلف الأصعدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك