هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الحقوق التاريخية لا تخفيها جرائم الاغتصاب
لم تمض بعد عدة أسابيع فقط على التحريض على ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق سكان بلدة حوارة الفلسطينية من خلال دعوته إلى محو القرية، حتى خرج وزير مالية سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» بتسلئيل سموتريتش بتصريحات عنصرية بغيضة بحق الشعب العربي الفلسطيني عندما قال بعبارات عنصرية صريحة أنه «لا يوجد فلسطينيون لأنه لا يوجد شعب فلسطيني»، أطلق الوزير «الإسرائيلي» هذه الهرطقة العنصرية من عاصمة الدولة التي تجرم قوانينها الترويج لأي شكل من اشكال الأفكار العنصرية، أي فرنسا التي هي واحدة من عدة دول أوربية تجرم قوانينها مثل هذه الأفكار والدعوات التحريضية التي من شأنها أن تتسبب في ارتكاب جرائم ترقى إلى مصاف جرائم الإبادة الجماعية.
وجود الشعب العربي الفلسطيني وانتماءه للأرض التي عاش عليها منذ آلاف السنين ليس بحاجة إلى اعتراف من جاء من أصقاع مختلفة من المعمورة، فالشعب الفلسطيني الذي قال الوزير «الإسرائيلي» إن العرب أوجدوه قبل مائة عام، متمسك بأرضه وبحقوقه التاريخية فيها رغم ما يتعرض له من تنكيل وجرائم قتل يومية، بهدف قطع جذوره الضاربة في هذه الأراض، رغم كل ذلك، فإن هذا الشعب أثبت أنه أقوى من أن تهزه مثل هذه الجرائم أن تحرفه عن الطريق التي اختارها دفاعا عن حقوقه وكرامته وانتماءه للأرض التي لم تستطع كل محاولات التحريف التاريخية أن تغير حقائقها.
ليس مستغربا، ولم تكن هذه هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، التي تصدر فيها مثل هذه التصريحات من شخص تربى في كهنوت مدارس الفكر الاستئصالي المتطرف الذي لا يرى في هذا العالم سوى أبناء عجينته، فهم وحدهم الذين يستحقون الحياة، أما غيرهم فليسوا سوى كائنات حية هامشية، مثل هذه المواقف والتصريحات العنصرية البغيضة لن تتوقف وسوف تستمر طالما استمر هذا الفكر الاجرامي دون ما أي محاسبة أو مساءلة من المجتمع الدولي الذي اكتفت الكثير من دوله بالتعبير عن «الأسف» على مثل هذه التصريحات «غير المسؤولة».
لم يكتف الوزير «الإسرائيلي» بهرطقة إنكار وجود الشعب العربي الفلسطيني، بل تعدى على سيادة المملكة الأردنية الهاشمية من خلال إنكاره حقيقة الوجود الجغرافي المستقل للمملكة الأردنية من خلال استخدامه واستشهاده بخريطة تضم حدود المملكة الأردنية وفلسطين على أنها الحدود الجغرافية الخاضعة للسيطرة السياسية والعسكرية لسلطات الاحتلال، الأمر الذي دفع بمجلس النواب الأردني إلى التصويت بالأغلبية على قرار بطرد سفير سلطات الاحتلال من عمان، باعتبار أن ما اقدم عليه الوزير «الإسرائيلي»، هو تعد سافر على السيادة الأردنية، وهذا هو ابسط ما يمكن اتخاذه إزاء هذا الاستهتار من جانب مسئولي سلطات الاحتلال.
«من أمن العقوبة أساء الأدب»، هذا المسئول وأمثاله كثيرون الذين هم الآن يقودون سياسة سلطات الاحتلال «الإسرائيلي»، على قناعة تامة من أنهم فوق المساءلة والمحاسبة القانونية، ليس من قبل الأجهزة القانونية والجنائية في كيانهم، وإنما من قبل المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي المنوط به فرض المساءلة والمحاسبة على الانتهاكات التي يتعرض لها القانون الدولي والجرائم التي ترتكب بحق الشعوب والجماعات، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية التي لم يجف بعد، حبر مذكرتها بشأن توقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن هذه المؤسسات الدولية مشلولة تماما فيما يخص أي إجراء مطلوب اتخاذه تجاه الكيان وأي من قادته، والسبب الوحيد هو فيتو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.
ما أطلقه الوزير «الإسرائيلي» من دعوات عنصرية ومن تحريض مباشر على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، لا يجب الاكتفاء باستنكاره أو التعبير عن «الامتعاض» وعدم قبول مثل هذه المواقف «غير المسؤولة»، فهذه المواقف والتصريحات لم تصدر عن شخص عادي، وإنما صدرت عن عضو من أعضاء حكومة تمتلك علاقات واتصالات مع دول كثيرة في العالم، وفي مقدمتها الدول التي تتشدق بمحاربة الأفكار المتطرفة والنزعات العنصرية والاستئصالية، وليس مقبولا من هذه الدول أن تلوذ بما يشبه الصمت إزاء ما صدر عن الوزير «الإسرائيلي» من تصريحات ودعوات إجرامية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك