«النقصة الرمضانية» كلمة باللغة العامية تطلق على إحدى العادات القديمة المتوارثة من الأجداد في شهر رمضان المبارك، وهي عبارة عن عملية تبادل المأكولات والأطباق الشعبية بين الجيران والمقربين «كالكباب» و«اللقيمات» و«الهريس» قبيل اذان المغرب، وكانت آنذاك لا تشكل عبئا اقتصاديا على الأسرة لرخص ووفرة المكونات في كل منزل وزهد سعر مكونات الأطباق، التي غالبا ما تحتوي بشكل رئيسي على سلع استراتيجية مثل الطحين.
ومؤخرا بات مفهوم النقصة الرمضانية أكثر كلفة، حيث تحور مفهوم النقصة من أطباق طعام يتم تبادلها طيلة شهر رمضان الى هدايا باهظة الثمن مزينة بشكل ملفت يغلب عليه الطابع الشعبي والألوان المذهبة، وشاع تبادلها بين الأصدقاء والأقارب قبل دخول شهر رمضان.
فباتت «نقصة» الأجداد مختلفة عن «نقصة اليوم» من حيث الشكل والمكونات ووقت إرسالها فأصبحت الهدايا اليوم بعيدة كل البعد عن السعر الزهيد الذي لا يؤثر على ميزانية الأسرة والفرد لتتحول إلى هدايا مكلفة ماديا يقوم بعض الأفراد فيها بالاقتراض او تخصيص مبلغ مادي ضخم قبيل شهر رمضان بعدة أشهر لمواكبة هذا الحدث.
وعرفت أخبار الخليج من خلال استطلاعها ان «النقصة الرمضانية الحديثة» التي يقدمها الفرد الواحد الى عدة أفراد لدى البعض تكون أحيانا بغرض التفاخر بها وإظهار الفرد ذاته وطبقته الاجتماعية التي ينتمي إليها من خلال نوع الهدايا التي يقدمها ليحظى بشيء من الوجاهة والمديح الاجتماعي المزيف حتى لو اضطر الفرد إلى الاقتراض.
وتبين من خلال الاستطلاع ان النقصة الرمضانية الحديثة عبارة عن هدايا فاخرة تتمثل في العطور والمسك والبخور وملابس وسجادات الصلاة والملابس الرمضانية التي تعرف بـ«الجلابيات الشعبية » والتمور الفاخرة والأواني والذهب والمجوهرات والعديد من الهدايا المبتكرة والثمينة.
ومؤخرا ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعرض وبيع «النقصات الرمضانية» بأسعار تنافسية يصفها البعض بالأسعار الجنونية، ويرجح ان السبب وراء ظهور «النقصة الرمضانية بمفهومها الحديث المكلف هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتعاش حركة البيع في برامج التواصل الاجتماعي».
فـ «نقصة الأمس» تختلف عن «نقصة اليوم» إلى حد كبير من حيث الشكل والمكونات ووقت إرسالها. فاليوم أصبحت لها طقوس في ترتيباتها واختيارها، حيث دخلت العصرية والتمدن على طبق «النقصة» ليتحول الى صينية من الفضة أو الخشب المعتق الفاخر أو سلة صنعت خصيصا باسم العائلة أو صندوق مزين بتهنئة «مبارك عليكم الشهر»، وعادة لا ينتفع بها الأفراد وسرعان ما يصبح مصيرها مجهولا بعد انقضاء شهر رمضان.
وخلال الاستطلاع الذي أجرته «أخبار الخليج» عبّر عدد من المواطنين عن استيائهم جراء تحور مفهوم النقصة من أطباق بسيطة تقدم بشكل عفوي الى هدايا مكلفة ماديا وتشكل عبئا اقتصاديا على ذوي الدخل المتوسط والمحدود.
رد الصاع «بالمثل»!
من جهتها قالت أم علي: «لسنا مخيرين في تبادل «النقصة الرمضانية» بل اصبحنا مجبرين، فعندما تقدم لي صديقتي نقصة رمضانية فارهة يصل سعرها قاربة الـ30 دينارا فيجب ان أبادلها النقصة بذات السعر وليس بالسعر الذي يتناسب مع ميزانيتي المحدودة.
وترى أم علي ان المجتمع لا يتقبل تبادل الهدايا بحسب المستوى المادي للفرد، واصبح الجميع يتنافس ليبين انه ينتمي الى طبقة اجتماعية ميسورة الحال و البعض ينتظر رد الجميل»!
«بدعة» ضحيتها ربّ الأسرة
من جهته قال رب الأسرة يوسف حسن ان «النقصة الرمضانية» بدعة ولا يجب الاستمرار في تقديمها لأنها تشكل عبئا ماديا ثقيلا على رب الأسرة وبالخصوص في شهر رمضان؛ لأن فيه تزداد المصاريف والمسؤوليات المالية على رب الأسرة، فتراه يأخذ الطعام وملابس القرقيعان وكسوة العيد و«العيادي وقدوع العيد»، معلقا: «حتى انه في بعض الأحيان ينسى شراء ملابس العيد لنفسه من كثرة المسؤوليات المترتبة والضغط المادي».
بينما علقت صديقة الدمستاني: باتت «النقصات الرمضانية» مكلفة وعلامة بذخ اجتماعي الا اننا مضطرون الى شرائها واهدائها الى الأهالي والأصدقاء تعبيرا عن المودة والتواصل رغم زحام الحياة.
وأكد الدكتور وهيب الناصر ضرورة عدم التكلف في شراء النقصة الرمضانية، وأدرف «تهادوا تحابوا» ولكن ليس على حساب من لا يستطيع رد هذه النقصات وإحراج الآخرين.
وأكد عدد من المواطنين أن نقصة رمضان فقدت شكلها التقليدي البسيط ودخلت عليها اللمسات العصرية والحداثة وأصبحت لها طقوس مختلفة فتجدها اكثر كلفة عن ذي قبل، ودخلت بمظاهر البذخ والاسراف والكلفة المالية الكبيرة وانتقلت مسؤولية النقصة من الأجداد والأمهات إلى البنات والشباب لدى كثير من العائلات، ما سبب طفرة اجتماعية في شراء النقصات والتكلف، وكذلك اتفقوا على إهداء النقصة الرمضانية بطريقة بسيطة وغير مكلفة ماديا.
تطورات مالية
ما بين الماضي والحاضر
ومن جهتها علقت الخبير المصرفي الدكتورة غنية الدرازي: أصبح الشكل الجديد «للنقصة» يمثل نوعا من الثقل المادي على المجتمع، حيث باتت حسابات برامج التواصل الاجتماعي -التي لها اليد الكبرى- تبدع في الاستعراض والتحشيد «للنقصة الرمضانية» بأشكالها المختلفة بطريقة ملفتة، مشجعين فيها على الشراء وإهداء الأقارب والأهالي والأصدقاء وكأنها شيء أساسي وحاجة ملحة، ما زاد تأثر المجتمع بها وتصنيفها كعبء مادي، وخصوصاً مع الأوضاع الاقتصادية الحالية المتأثرة بأزمة كورونا وما تسببت فيه من مشاكل اقتصادية واقتراب شهر رمضان المبارك والمناسبات الاجتماعية.
وأكدت د. الدرازي أن تحور العادات بين الماضي والحاضر بات مكلفا ماديا، ففي السابق كانت (النقصة الرمضانية) غير مكلفة ماديا وبسيطة كونها معدة من الأكلات الشعبية التي غالبا ما تكون مكوناتها من مواد استراتيجية (كالطحين)، وكانت «النقصة» مستمرة طوال شهر رمضان وترسل قبل الفطور مباشرة للأهالي والجيران والأصدقاء لكون سعرها يعتبر بسيطا.
وتابعت د. الدرازي في السنوات الاخيرة تغير الشكل التقليدي «للنقصة» وظهرت ملامح جديدة لها أكثر كلفة، إذ تبدلت «النقصة» الرمضانية من الشكل البسيط الى شكل قائم على التباهي والتفاخر متمثلا في إهداء منتجات أكثر كلفة مثل الأواني والبخور والعطور والتمور الفاخرة وغيرها.
وتنصح د. الدرازي بعدم تحوير العادات والتقاليد وتطويرها لشيء يثقل عاتق المجتمع ماديا والاستفادة من المبالغ الطائلة التي تصرف بلا جدوى بشكل أفضل عن طريق ادخارها أو مساعدة الأسر المتعففة والمحتاجة عوضا عن البذخ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك