شهد العالم منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وإلى اليوم تسارع ظهور وتبلور الاقتصادين الرقمي والاقتصاد الافتراضي، وقد أوضحنا متضمنات وأهمية الاقتصاد الرقمي في المقالتين السابقتين، وفي هذه المقالة نسلط الضوء على الاقتصاد الافتراضي Virtual Economy بدءا من بيان التعريفات التي صيغت له، فوفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي وشركة Infodev، تم تحديد ثلاثة مناهج لتعريف الاقتصاد الافتراضي. المنهج الأول، عد الاقتصاد الافتراضي نشاطا مضاربيا يعتمد على استخدام رأس المال النقدي، وبالتالي فإنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالشكل النقدي لرأس المال. واعتبره المنهج الثاني مستوى أعلى من الاقتصاد الرقمي. أي إنه الجزء الأعلى من المستويات الثلاثة المترابطة مع بعضها البعض (البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والاقتصاد الرقمي، والاقتصاد الافتراضي)، فيما عده المنهج الثالث جزءاً من الاقتصاد الرقمي في شكل عوالم افتراضية عبر الإنترنت، فقد أدى انتشار الخدمات الرقمية بدءا من التجارة الإلكترونية إلى خدمات الشبكات الاجتماعية إلى ظهور احتياجات ومشاكل رقمية جديدة. وبالتالي فإن الارتفاع في الطلب والعرض لتلبية الاحتياجات الرقمية، والأسواق التي يلتقي فيها العرض والطلب، تشكل معاً الاقتصاد الافتراضي.
وعلى ضوء ذلك صيغت العديد من التعريفات للاقتصاد الافتراضي فقد عرف بأنه الاقتصاد الموجود في عالم افتراضي، حيث يُمكن للمستخدمين تبادل الأصول والمنتجات والخدمات الافتراضية أو الحقيقية في إطار لعبة على الإنترنت أو من خلال منصة رقمية. وعرف أيضا بأنه الاقتصاد الذي يتعامل مع مال ليس موجودا على وجه الحقيقة، حيث يتعامل مع بضاعة وهمية يفترض البائع وجودها، و يضع لها مواصفات معينة، وقد يصورها ويصف لها قيما افتراضية، ثم يعرضها للمزاد في الأسواق الإلكترونية.
كما عرف الاقتصاد الافتراضي بأنه نظام الوظائف والأصول والأسواق والمتداولين عبر منصات ومن خلال شبكة الإنترنت. وتتضمن المنصات جوانب من عناوين الألعاب متعددة اللاعبين عبر الإنترنت، مثل Fallout و Mine craft، وعوالم افتراضية أخرى غير الألعاب، بما في ذلك Second Life و Decentraland. حيث يقضي الأفراد وقتًا في التواصل الاجتماعي واللعب والإبداع والعمل والتداول لأجل الترفيه أو لتحقيق منفعة اقتصادية حقيقية.
وعرف الاقتصاد الافتراضي أيضا بأنه تكتل من المنصات المتطورة، والأسواق الوليدة والمريبة في كثير من الأحيان، واللاعبين المهرة، والأصول المتقلبة، ورواد الأعمال الطموحين الذين يوجدون أو يعملون بشكل فريد في البيئات الافتراضية. وعموما فإنه عالم ناشئ يعرض قدرة التقنيات الجديدة مثل دفاتر الأستاذ الموزعة ( البلوك تشين)، والواقع الافتراضي (VR), ورؤية الكمبيوتر، وتتبع الأشعة في الوقت الفعلي، والعملات المشفرة، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs). ويشير مصطلح الاقتصاد الافتراضي (VE) إلى عملية تبادل العناصر والخدمات الافتراضية مع عملة افتراضية في عالم افتراضي. والعالم الافتراضي (VW) هو عبارة عن منصة ثلاثية الأبعاد قائمة على الصورة الرمزية، يتم فيها تمثل الصور الرمزية للمستخدمين في العالم الحقيقي. ويعد الميتافيرس metaverse مرحلة تطورية متقدمة من عالم الاقتصاد الافتراضي حيث يعبر عن رؤية مكان جديد للتفاعل الافتراضي مع أشخاص حقيقيين أو روبوتات لممارسة الألعاب أو إجراء الأعمال أو التواصل الاجتماعي أو التسوق.
ويستخدم المصطلح لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية للإنترنت، والمكونة من مساحات ثلاثية الأبعاد، لا مركزية، ومتصلة بشكل دائم. ويمكن الوصول إليها عبر نظارات الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز والهواتف الذكية، والحواسيب المكتبية، ومنصات الألعاب. ويعد التدريب والترفيه من أكثر مجالات الاستخدام الأولي الحقيقي للميتافيرس المقدم للعملاء، بالإضافة إلى التصنيع والرعاية الصحية التي تعد من أولى الصناعات التي دمجت تجارب الواقع الحقيقي والافتراضي والواقع المعزز للموظفين.
هذا وقد شهدت السنوات الثلاث الماضية نموا سريعا للاقتصاد الافتراضي، إذ ارتفع الطلب على السلع والخدمات الافتراضية وبيعها والاستثمار فيها، بما في ذلك العقارات الافتراضية. فقد أظهر تقرير الفرص المستقبلية الذي أطلقته مؤسسة دبي للمستقبل خلال مشاركتها ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات 2023 التي أقيمت في دبي بتاريخ 21 فبراير 2023، أن قيمة سوق الواقع المعزز والواقع الافتراضي على الصعيد العالمي بلغت نحو (15) مليار دولار عام 2020، ومن المتوقع بلوغها (454) مليار دولار عام 2030، بمعدل نمو سنوي 40.7%.
ومع ذلك، هناك أيضا أدلة تشير إلى أن قسما من الشركات التي تستثمر في مجال الاقتصاد الافتراضي تكافح من أجل النجاح، حيث تواجه تحديات عديدة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك