صدرت حديثا عن منشورات المتوسط في إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعرة المصرية آلاء فودة، حملت عنوان: «شامةٌ أعلى الرَّحِم». وهي مجموعة تستهلّها الشاعرةُ بمقولة للكاتبة الفرنسية آني إرنو تقول فيها: «ليست وظيفةُ الكتابة أو نتاجُها طمسَ جُرح أو علاجَهُ؛ إنَّما إعطاؤُهُ معنى وقيمة، وجعله – في النهاية – لا يُنسَى». ليطفو سؤال الجرح مع أوَّل قصيدةٍ في الكتاب، ولنقرأ من خلالها رسالةً لا تكتمل إلى كافكا لأنَّ صاحبتها لا تملكُ «أيَّةَ تفاصيل/عن أشياء لم تحدُث»، وهي أشياء تتكرَّرُ كلَّ شهر، كلَّ يومٍ، كلَّ ليلةٍ وتنتهي بـالاستيقاظ «على اختباراتِ حَمْلٍ سلبيَّة!». لعلَّه التوقُ الذي تُثبِّته الذاكرة بدواخلنا ويصعبُ الفكاكُ منه، أو ربَّما لأنها الأسبابُ المنعدمة لخلقِ وجودٍ جديدٍ يجعلُ الجسد يتحرَّر من دائرته المغلقة في بنايةٍ يسكنُها الكثيرونَ ونشعر فيها -رغم ذلك- بالوحدة.
الشاعرة آلاء فودة، تلتقطُ التفاصيل كلها سواء حدثت أم لم تحدث بعد، وهي تدركُ مسبقاً أنها تنفلتُ من أصابِعها وفق قوانين العدم في العالم. وهي لأجل ذلك تكتُبُها بلغةٍ أقرب إلى السريالية والصوَر المركَّبة والنداءات المتكرِّرة كتعويذة تُذكِّر العالم بما هو عليه، كما نقرأ في قصيدة العنوان و: «نقول للعالمِ: احترقْ، ولكنْ، لا تُورِّطْنَا في رمادِك؟». الرسائلُ مشفَّرة كانت أو صريحة، هي أساس الاحتجاج لامرأة تقفُ على حافَّة النهايات: «البلادُ التي وَصَمَتْ لحظاتِنا بالهزيمة/ ودسَّتْ في بُطُونِنا كلَّ رسائلِ الرَّفض/ رسائلُنا كفافُنا في هذه الأرض». ولتصبحَ القصائد جراحاً مفتوحة تملِّحها كلماتٌ مثل «حزن»، «فشل»، أو عبارات مثل «حبل سرّي»، «موت الأمهّات»، تجرُّنا إليها فودة بقوَّة الاحتجاج الأموميّ وضرورة السؤال: هل «كلُّ شيءٍ في مكانه الصَّحيح؟».
تنبعثُ من القصائد روائحُ كثيرة، وأشياء يومية، وابتهالات ليلية، والكثير الكثير من الشعر القادم من تجربةٍ عميقةٍ ومكاشفة استثنائية لا تُنسى.
من أجواء الكتاب نقرأ:
«أنا غريبةٌ
هجرَني الآخرونَ في مُتتالياتٍ حسابيَّة
كلَّ أربعةِ أعوامٍ يسقطُ منِّي جدارٌ كنتُ آوي إليه
كلَّ أربعةِ أعوامٍ تَنبتُ لي شامةٌ أعلى الرَّحِم
كلَّ أربعةِ أعوامٍ أُعيدُ تأويلَ الحكايات.
في بيتِي تسيرُ الأُمُورُ في تتابُعٍ ميكانيكيّ
نعرفُ البداية
ونعرفُ الطَّريق
ونُجيدُ تقليدَ المَشَاهِدِ المُخزَّنةِ سابقا
-ورَغْمَ أنَّنا نعي ذلك –
نتظاهرُ كلَّ مرَّةٍ أنَّنا أَنجزْنا رحلتَنَا الذَّاتيَّة.
أسمعُ العَالَمَ يتدفَّقُ مِن حولي
أرى الأشياءَ تتغيَّر
كُلٌّ يُبدِّلُ موقعَهُ على الرُّقعَة
وأنا لا أفعلُ شيئاً
سوى مُراقبةِ الأيَّامِ وهي تسقطُ تحتَ عجلاتِ العَدَم».
آلاء فودة: شاعرة مصرية، تخرجت في كلية الصيدلة جامعة الإسكندرية عام 2013. صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان: «بحة في عواء ذئب» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 2021، وفازت بجائزة أخبار الأدب المصرية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك