خلال عام 2022 سيطر التوتر على العلاقات بين «الغرب»، وشركائه الإقليميين في الشرق الأوسط من جهة، و«إيران» من جهة أخرى. وزاد الأمر سوءا قيام الأخيرة بحملة قمع ضد المتظاهرين في البلاد، وتزايد حالات إعدام السجناء، والتحالف مع روسيا، بشأن عمليات نقل وتطوير الأسلحة، فيما واصلت أيضًا تعزيز قدراتها النووية.
ومع استراتيجية الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، لإعادة التعامل دبلوماسيا مع «إيران» -التي يُنظر إليها الآن على أنها فشلت- رأت «سوزان مالوني»، في مجلة «فورين أفيرز»، أن الاتفاق النووي لعام 2015 الآن «لا يمكن إعادة إحيائه»؛ لأسباب سياسية وعملية. ومع طرح سبل بديلة للحيلولة دون حيازتها «سلاحا نوويا»، وردعها عن المزيد من العدوان الإقليمي؛ تظل احتمالية نجاح تلك البدائل «سؤالًا مطروحًا».
وإضافة إلى بُعد آخر للتصعيد الإقليمي، اعتبر «دينيس روس»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أنه من «الوهم» الاعتقاد بأن «إسرائيل»، لن تتحرك ضد ما يعتبره قادتها «تهديدًا وجوديًا». وبالفعل، هدد «بنيامين نتنياهو»، باتخاذ إجراءات قوية مباشرة ضد منشآت طهران النووية، وهو احتمال من المرجح أن يتصاعد إلى صراع إقليمي أوسع.
وفي ضوء هذا الاحتمال، أوضح «جوليان بارنز-داسي»، و«إيلي جيرانمايه»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن على الغرب «بذل المزيد من الجهد لمنع الصراع مع إيران». وفي حين يجب على «واشنطن»، والدول الأوروبية، «مواجهة قمع إيران لمعارضيها في الداخل»، فإن هذه المخاوف يجب ألا تمنعهم من «التعامل مع خصم من أجل الحفاظ على السلام الإقليمي». ومنذ البداية، أقر الباحثان، بأن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين «الغرب»، و«إيران»، سوف تحتاج إلى التغلب على عقبات كبيرة، مع الاعتراف بأنها وصلت إلى «نقطة متدنية غير مسبوقة»، مع تصاعد التوترات خلال العام الماضي، بعد إصدار «طهران»، بعض أحكام الإعدام ضد مزدوجي الجنسية، كوسيلة «لإرسال رسالة إلى أوروبا».
وفي حين لا يوجد أي شكل مباشر من العلاقات حاليا مع الأوروبيين، مما يدل على تدهور علاقاتها مع الدول التي كانت تُستخدم تقليديًا كوسطاء في المحادثات النووية؛ فقد قادت «المملكة المتحدة»، الجهود الأوروبية لإدراج قوات «الحرس الثوري»، منظمة إرهابية محظورة. وسجلت «وكالة بلومبرج»، أيضًا كيف تم تجاهل المسؤولين الإيرانيين في الدعوات لحضور مؤتمر «ميونيخ» الأمني في فبراير 2023.
وعلى صعيد برنامج طهران النووي، كشف «روس»، أنه يجب أن «يُدق ناقوس الخطر» في الغرب. وأوضحت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، أنها وجدت «دليلاً»، على قيامها بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تصل 83.7%؛ أي أعلى بكثير من مستوى التخصيب 3.67% -والتي سبق ووافقت على الالتزام بها في عام 2015- ولا تقل كثيرًا عن مستوى التخصيب البالغ 90% اللازم للمواد النووية المستخدمة في صنع الأسلحة.
وفي حين أن الزيارة التي قام بها «رافائيل غروسي»، رئيس «الوكالة»، لإيران أدت لاحقًا إلى اتفاق لإعادة السماح للرقابة الدولية على منشآتها النووية؛ فقد أصر «كولين كال»، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، على أن «الوقت المطلوب» لبناء طهران جهاز نووي قد تم اختصاره من 12 شهرًا، إلى «12 يومًا» فقط. وأضاف «روس»، أنها الآن في طريقها «لتكديس 10 قنابل من المواد الانشطارية بسهولة بحلول نهاية هذا العام». ورأى «روبرت ليتواك»، من «مركز وودرو ويلسون الدولي»، أنها تقترب من «نقطة استراتيجية جيدة، حيث تحتفظ بإمكانية الخيار النووي مع تجنب تداعيات التسليح الفعلي».
وردا على هذه المخاوف، أعرب عديد من الخبراء الغربيين عن الحاجة الملحة لإدارة بايدن، إلى تبني نبرة أكثر قوة تجاه «طهران»، بما في ذلك التهديدات بفرض عقوبات إضافية، وتنفيذ عمل عسكري ضد المنشآت النووية، ودعم الحلفاء الإقليميين. وحثت «مالوني»، البيت الأبيض على «صياغة استراتيجية جديدة»، تتناول «مجمل التحدي الإيراني». في حين اقترح «مايكل سينغ»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى»، استخدام الغرب «العقوبات، وتعزيز الردع العسكري، والتخطيط لسيناريوهات الأزمات المحتملة»؛ لإجبارها على التراجع عن أهدافها النووية.
في غضون ذلك، حدد «روس»، «استراتيجية من أربعة أجزاء»، لتصحيح رد «الولايات المتحدة»، على الانتشار النووي الإيراني، بما في ذلك قيامها بتغيير سياستها من أجل «إعداد الأمريكيين، والمجتمع الدولي لعمل عسكري محتمل»، فضلًا عن إيصال رسالة لها بأن مسارها الحالي يهدد «بنيتها التحتية النووية بالكامل»، بما في ذلك تلك المخصصة للاستخدام المدني، فيما حثها أيضًا على إجراء المزيد من التدريبات العسكرية في الشرق الأوسط، و«الانخراط بشكل واضح» مع حلفائها الإقليميين، وبالتالي «تُوقع كيف يمكن لطهران الرد على هذا الأمر، و«كيف تخطط أمريكا لإحباط ذلك».
واستكمالا، طرح فكرة تزويد الولايات المتحدة، لإسرائيل بـ«موارد وذخائر، من شأنها أن تجعل أي ضربات أكثر فاعلية، «وذلك لتجنب» أي سوء فهم أو تقدير لدى «إيران بأن منافسيها لا يستطيعون التحرك ضدها، وأخيرًا، حث «إدارة بايدن»، على «التصرف بطريقة خارجة عن التوقعات السائدة»، مثل «الإقدام على رد عسكري، يُظهر أنه أيا كانت القيود والمحاذير التي تم ملاحظتها سابقًا، أصبح من المستحيل الآن المضي قدمًا على تلك الوتيرة». ومن وجهة نظر المحللين، فإن هذه الإجراءات مجتمعة ستجعلها «ترتدع»، وتعمل على وقف التقدم بشأن تخصيب اليورانيوم، و«إعادة فتح المسار الدبلوماسي لإمكانية عكس مساره».
وفي مقابل هذه الافتراضات والتقييمات، يجب أن تكون هناك محاولات لتقديم المبررات لتأكيد المساعي الدبلوماسية الغربية، وفي هذا الصدد، أصر «بارنز-داسي»، و«جيرانمايه»، على فكرة أن «الموقف الإسرائيلي والغربي «الأكثر حدة»، هو الوسيلة الوحيدة لحمل إيران على التراجع»، وهو «أحد العوامل الديناميكية الخطيرة»؛ حيث إنه إذا لم يتم الرضوخ «للمخرجات السياسية القابلة للتطبيق»، فلا مناص من زيادة التصعيد. وفي حين أقرا بأن «السياق الداخلي» للمعارضة في إيران، «شديد الأهمية»، لخدمة سياسة الولايات المتحدة، وأوروبا، فقد توصلا إلى استنتاج مفاده، أنه «بغض النظر عن مدى القمع الإيراني للمعارضة»، فإن هناك حاجة إلى تعاون طهران، لمنع تصاعد العنف لدرجة وقوع حرب إقليمية خطيرة»، تمتد إلى استخدام السلاح النووي، وزيادة انتشاره.
ومع تأكيد أهمية هذه النقطة، أشارا إلى أن «منع أية صراعات»، أو «منع التصعيد النووي»، يتطلب حوارًا« من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما حثا «واشنطن»، على «التراجع» عن إشاراتها الأخيرة بشأن اللجوء إلى عمل عسكري وشيك«، وبدلاً من ذلك تركيز إجراءاتها على تأمين التوصل إلى «اتفاقيات مصغرة»؛ لتقليل التوترات نوعًا ما، واقتراح قيود واضحة على عمليتي «التخصيب»، و«التفتيش على المنشآت النووية»، وهو أمر قد يتقبله الإيرانيون، وسيتطلب «تخفيفًا اقتصاديًا محدودًا من جانب الغرب أو مرونة من قبل دول الخليج لتحفيزها على التعاون .
من جانب مشابه، حذر الباحثان بشدة من الخطر المتزايد لحدوث صراع إقليمي بين «إسرائيل»، و«إيران»؛ بسبب تقدم الأخيرة نحو امتلاك سلاح نووي. ووفقًا لـ«روس»، فإن النتائج الأخيرة التي توصلت إليها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، «ستؤكد فقط الاعتقاد الإسرائيلي بأن النهج الحالي لواشنطن، وحلفائها سيؤدي في النهاية إلى حصول طهران على قنبلة نووية». وحذر «نتنياهو»، نفسه من أنه «كلما طال الانتظار، فإنه سيصبح من الصعب «منعها من الحصول على ما يكفي من المواد النووية المخصبة، والصاروخ القادر على حملها».
وفي تأييد لهذا، حذر «روس»، من أن الهجمات العسكرية الإسرائيلية أحادية الجانب، ضد المنشآت الإيرانية «ستؤدي إلى إطلاق العنان لـ«حزب الله»، للتحرك، ومن المرجح أن تؤدي إلى هجمات صاروخية مضادة على تل أبيب، مضيفا أن «الجميع سيدفع الثمن» في هذا التصعيد الإقليمي، مشيرا أيضا إلى أن إيران «قد تشن ضربات انتقامية ضد خصوم إقليميين آخرين». وبالمثل، أوضح «بارنز-داسي»، و«جيرانمايه»، أن المواجهة العسكرية في الشرق الأوسط، ستكون «كارثية»، مع توقع «رد إيراني أوسع نطاقًا»، ربما يتضمن هجمات على طرق الشحن المارة عبر منطقة الخليج، وبالتالي هو أمر «يجب تجنبه قبل حدوثه مهما كان، قبل فوات الأوان».
وفي حين أشار «روس»، إلى أن هذا «السيناريو المحتمل، هو الأكثر خطورة بكثير»، في حالة امتناع «واشنطن»، عن شن «عمل عسكري قوي»، ضد طهران، مستشهدًا بسلسلة الهجمات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، والمصالح الإقليمية؛ فقد أشار «بارنز-داسي»، و«جيرانمايه»، إلى أن إسرائيل «تمضي قدما بالفعل» في عمل عسكري مباشر ضد المنشآت النووية الإيرانية. وفي إشارة إلى الافتقار إلى وجهات النظر الأمريكية بشأن البديل المقترح لذلك، كتب «جوبي واريك»، و«كارين يونغ»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أن «البيت الأبيض، يبدو أنه خفف من مقاومته العلنية» لإسرائيل باستخدام العمل العسكري ضد إيران».
ومع ذلك، شكك «بارنز-داسي»، و«جيرانمايه»، في مدى فعالية الضربات العسكرية الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران، ففي حين أن هذه الضربات قد «تنجح تكتيكيًا في تأخير تطور برنامج إيران النووي»، فإن العديد من المنشآت محمية في قواعد تحت الأرض، وأن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تصلب موقف طهران إزاء الحد من الانتشار النووي، «ومن المرجح أن تعزز، بدلاً من أن تضعف، قبضة «الحرس الثوري»، الداخلية على السلطة».
الأهم من ذلك، أنه في الوقت الذي تم فيه حث الدول الغربية وإسرائيل على ضبط النفس والانفتاح على الدبلوماسية وبناء قنوات للحوار؛ أوضح الباحثان أن إيران أيضًا «بحاجة إلى التراجع»، والمساهمة في جهود وقف التصعيد من خلال «وقف تقدم برنامجها النووي»، و«كبح موجة الإعدام في البلاد»، و«تقليص التعاون مع الجانب الروسي بشأن الحرب الأوكرانية». ومع ذلك، فإنه بناءً على سوابق «طهران» الأخيرة، فإن توقع حدوث تحول في سلوكها ليس احتمالًا واقعيًا، لا سيما أنها تسعى إلى التحالف أكثر مع «موسكو»، و«بكين»، ضد الدول الغربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بعمليات نقل الأسلحة والهجمات الإلكترونية، والتهرب من العقوبات، وتعزيز مبيعاتها من الطاقة، وهو التحالف الذي وصفه «جاستن دانيلز»، في مجلة «ذي جورنال أوف ديمقراسي»، بأنه «محور المستبدين».
على العموم، هناك شبه إجماع بين المعلقين على أن «إيران»، قد لا تغير مسار سلوكياتها بشأن تطلعاتها النووية «بسهولة»، الأمر الذي جعلهم منقسمين حول طبيعة الإجراءات التي يجب اتخاذها لحثها على القيام بذلك. وفي حين طرح البعض الفكرة «الأكثر صرامة»، وهي آلية الردع والتهديد باستخدام القوة العسكرية لجعلها تتراجع بعض الخطوات؛ أصر آخرون على ضرورة إعادة إنشاء قنوات الحوار في أقرب وقت ممكن لمنع حدوث أزمة.
ومع ذلك، هناك اتفاق على ضرورة تجنب مثل هذه الأزمة، بأي ثمن، وأكد «روس»، على البحث عن «فرصة جيدة»، لتجنب حدوث صراع إقليمي في الشرق الأوسط، داعيا «إدارة بايدن»، إلى تتغير مسارها وسبل إداراتها للأزمة، فيما توصل «بارنز-داسي»، و«جيرانمايه»، إلى أن «مسار الضغوط القصوى» الذي يتبعه الغرب حاليًا ضد طهران، «يشعل فتيل ديناميات تصعيدية خطيرة»، ويعقد الوضع أكثر من البحث عن حلول.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك