فيما أعلنت عديد من الجهات الحكومية خططًا للتعافي الاقتصادي (2022–2026)، وفي وقت تستهدف فيه المملكة تحقيق الاستقرار المالي عام 2024، وتتطلع إلى إنجاز رؤيتها الاقتصادية 2030، والتي تقوم على مبادئ «الاستدامة، والعدالة، والتنافسية»، والتزاماتها بشأن الأجندة الدولية للتنمية المستدامة 2030؛ يتجه «المجلس الأعلى للمرأة»، إلى رسم خريطة تقدم المرأة البحرينية (2023–2030)، بنفس المنهجية السابقة التي سلكها في وضع خطط (2013–2022)، بهدف تعزيز الملكية الوطنية لخطة تقدم المرأة.
وتحقيقا لهذه الغاية، شرع «المجلس»، في عقد لقاءات مع عدد من الجهات في قطاعات مختلفة؛ لمناقشة تقييم الخطة السابقة، والاستفادة من مخرجات هذا التقييم، وتوصيات المنتدى الوطني لمناقشة تقرير مملكة البحرين الثاني للتوازن بين الجنسين في نوفمبر 2021، كما عمل مع الشركاء على تحويلها إلى سياسات وخطط وبرامج عمل لتقليص الفجوات، وتطوير مؤشرات الأداء على صعيد التوازن بين الجنسين، وشملت اللقاءات التي عقدها مع الشركاء ما تحقق في مجالات استقرار الأسرة، والتعلم مدى الحياة، وجودة الحياة.
وتأتي هذه اللقاءات ضمن البرنامج التنفيذي، الذي وضعه المجلس استعدادًا للخطة الجديدة لتقدم المرأة البحرينية، مستهدفًا تحقيق الانسجام بين أولويات هذه الخطة، والتوجه التنموي الوطني، فيما اتجه أيضًا إلى الاستفادة من أفضل الممارسات والتوجهات والتجارب الإقليمية والدولية، وبما يتسق مع التزامات الدولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ويضمن رفع وتحسين مكانة المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
تتجه الخطة الجديدة إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة في استهداف رفع المستوى المعيشي للأسرة البحرينية، كما جاء في «رؤية البحرين الاقتصادية 2030». واستندت في ذلك على مؤشرات الإنجاز في الفترة السابقة، حيث بلغت نسبة مشاركة المرأة البحرينية في إجمالي القوى العاملة 43% في 2021، بعد أن كانت 32% في 2012، قبل انطلاق خطة تقدم المرأة البحرينية (2013– 2022)، وبلغت نسبة حضورها في وظائف القطاع العام 53% مرتفعة بنسبة 36%، وفي القطاع الخاص 35%، مرتفعة بنسبة 5%، فيما بلغ متوسط أجور العاملة البحرينية في القطاع العام شهريًا 827 دينارا، والقطاع الخاص 603 دنانير.
وتعزيزًا لمشاركتها الاقتصادية، تم تنفيذ «برنامج الإرشاد الوطني للمرأة البحرينية»، الذي يدعم المستفيدات من برنامج التقاعد الاختياري (الانتقال الميسر الآمن)، من الوظيفة الحكومية إلى العمل في مؤسسات القطاع الخاص، أو مجال ريادة الأعمال. ولزيادة مساهمتها واستدامتها في مجال ريادة الأعمال، تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية، التي تقوم بشكل مؤثر بدعم نمو وتدرج رائدة الأعمال، فارتفعت نسبة المالكات لسجلات تجارية نشطة من 39% في 2012 إلى 41% في 2021، كما ارتفع معدل استدامة رائدة الأعمال من إجمالي السجلات المستديمة لأكثر من 5 سنوات من 34% في 2014، إلى 37% في عام 2020، مع وجود حوالي 52 رائدة أعمال بحرينية تمتلك علامة تجارية خاصة بها.
وفي تأكيد لهذا، كانت الحاضنة الاقتصادية «ريادات»، من أبرز مبادرات «المجلس الأعلى للمرأة»، نحو مساعدة المرأة البحرينية التي ترغب في تأسيس مشروع خاص، أو التي تسعى إلى تطوير عملها، والانتقال من مشاريع متناهية الصغر، إلى مشاريع صغيرة أو متوسطة. وتوفر الحاضنة كل الخدمات الإدارية والتدريبية والفنية والاستشارية والترويجية، التي يحتاجها المشروع واستفادت من هذه الحاضنة 111 امرأة، 75% منهن تخرجن وانتقلن إلى سوق العمل.
علاوة على ذلك، وفر «المجلس»، للمرأة عديدا من المبادرات التمويلية، لمساعدتها في مجال ريادة الأعمال، كمحفظة سمو الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة»، لدعم النشاط التجاري، والتي تقدم قروضًا متناهية الصغر، حيث يتراوح مبلغ التمويل من (200–5000 دينار). وتمتاز هذه القروض بالمرونة في سداد الأقساط بشكل شهري لفترة قد تصل إلى 3 سنوات، وتدار من قبل بنك الإبداع، وبدعم من «صندوق العمل تمكين»، وقد بلغ عدد المستفيدات من المحفظة 6177 مستفيدة خلال الفترة من 2010–2021، بإجمالي قروض 7.3 ملايين دينار.
بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك «محفظة تنمية المرأة البحرينية للنشاط التجاري»، التي تستهدف المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتبلغ قيمتها 100 مليون دولار أمريكي؛ أي نحو 37.7 مليون دينار بحريني. وتدار من قبل «بنك البحرين الوطني للتنمية»، وبدعم من «صندوق العمل تمكين»، وبلغ عدد المستفيدات منها 294 امرأة في الفترة من 2016–2021، حصلن على تمويل إجمالي بنحو 7 ملايين دينار.
يأتي هذا إضافة إلى جائزة سمو الأميرة «سبيكة بنت إبراهيم»، لتشجيع الأسر المنتجة والمستمرة من 2007؛ بهدف تحسين جودة المنتجات الأسرية، وتشجيع الأسرة البحرينية على الابتكار والتميز في صناعة هذه المنتجات، وإيجاد منافذ تسويقية لها محليًا وعربيًا. ومبادرة دعم نمو مشاريع المرأة البحرينية المنزلية، من خلال تشبيك رائدات الأعمال الناجحات مع هذه المشاريع. وقد بلغت نسبة المستفيدات من مشاريع الأسر المنتجة 75% من إجمالي المستفيدين، وبلغت نسبة الحرفيات 78%، كما تعد أيضًا مبادرة «امتياز الشرف لرائدة الأعمال البحرينية الشابة»، أحد أهم الاتجاهات في دعم وتحفيز الكفاءات الشابة في مجال ريادة الأعمال.
وتمكينًا لمشروعاتها من فرص التطوير؛ أطلق «المجلس الأعلى للمرأة»، بالتعاون مع «وزارة التجارة والصناعة»، «مبادرة صادرات المرأة البحرينية»؛ بهدف دعم المشروعات المملوكة لبحرينيات نحو التصدير، من خلال تكثيف فرص مشاركتها في التجارة الدولية، وتطوير منتجاتها وخدماتها، ورفع تنافسيتها إقليميًا ودوليًا، وقد بلغت نسبة المستفيدات 39% من إجمالي المستفيدين، حصلن على تسهيلات مالية ممكنة للتصدير بقيمة 21 مليون دولار، ووصلت منتجاتها إلى 51 دولة، إضافة إلى توفير منصات دائمة لعرض منتجاتهن في مطار البحرين الدولي.
ودعما لمشاركتها الاقتصادية، أصبح «النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين»، «نظاما متكاملا»، لحوكمة تطبيقات هذا التوازن على المستوى الوطني، من خلال تفعيل المبادرات والخدمات المساعدة لتحقيق تكافؤ الفرص، وزيادة الفرص والخيارات لرفع التنافسية الذاتية للمرأة، وتعديلات قانون العمل الأهلي، التي ألغت كل مظاهر التمييز في العمل والأجور. وفضلاً عن خيارات تمويل المشروعات السابق ذكرها، كان تعميم مصرف البحرين المركزي بشأن المادة (38) من قانونه، التي تنص على وجوب تقديم كل الخدمات المالية من قبل المؤسسات المالية، من دون تمييز بناء على الجنس أو الجنسية أو الأصل أو اللغة أو الدين أو الإعاقة البدنية أو الحالة الاجتماعية.
وإذ عمل «المجلس»، في تطوير خطته (2013–2022)، على المواءمة بين أهدافها والأهداف الـ17 للتنمية المستدامة 2030، فإنه يعزز في الخطة الجديدة هذه المواءمة. ولهذا كانت «الجلسة الحوارية»، التي عقدها مع «وزارة التنمية المستدامة»، التي لم تكن موجودة في التشكيل الوزاري لدى إعداد خطة 2013–2022. وكانت هذه الجلسة بحضور عدد من عضوات المجلس، ورؤساء لجان تكافؤ الفرص في قطاعات الدولة المختلفة، ومؤسسات المجتمع المدني، والخبراء الدوليين، وتخدم إعداد المجلس لخطته الجديدة، كما تخدم عملية الاستعراض الوطني الطوعي الثاني لمملكة البحرين، حول أهداف التنمية المستدامة، حيث يعد المجلس بيت خبرة وطني في كل ما يتعلق بشؤون المرأة، فيما بلغت نسبة تحقيق مؤشرات الخطة الوطنية المرتبطة بالأجندة الدولية للتنمية المستدامة 64%.
وفي فبراير2023، سلطت «القمة العالمية للحكومات»، الضوء على دور المرأة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي احتفال العالم باليوم العالمي للمرأة في مارس عام 2022، جعل موضوع هذا اليوم «التوازن بين الجنسين من أجل نمو مستدام»، للإقرار بمساهمتها في أهداف التنمية المستدامة. ومنذ إعلان «الأجندة الدولية للتنمية المستدامة 2030»، يؤكد مسؤولو «الأمم المتحدة» في مختلف المناسبات، أنه لا تنمية اجتماعية من دون توازن كامل بين الجنسين والقضاء على كل أشكال التمييز، ولا استدامة بيئية من دون دور فاعل للنساء، كرائدات أساسيات للتغيير، فيما أكدت «منظمة الصحة العالمية»، أن إحراز أي تقدم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة، يتطلب مشاركة قوية للمرأة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعامة.
ويخدم إعداد «الخطة الوطنية لتقدم المرأة البحرينية 2023–2030»، أيضًا التقرير الوطني الرابع لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، الذي توجه وفد مملكة البحرين برئاسة الأستاذة «هالة الأنصاري»، لمناقشته في جنيف، والذي يبرز ما تحقق في مجال النهوض بالمرأة والتزامات المملكة بشأن هذه الاتفاقية. ولأن توصيات المنتدى الوطني لمناقشة التقرير الوطني الثاني للتوازن بين الجنسين، هي من أدلة إعداد الخطة الجديدة، فقد حرص «المجلس»، على وضع هذه التوصيات في سياق التنفيذ لدى الجهات ذات الصلة، فعقد في مقره في الرفاع في يناير 2022، بالتعاون مع «وزارة المالية والاقتصاد الوطني»، وسط مشاركة محلية ودولية رفيعة المستوى، جلسات حوار مع مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني في إطار تأكيده أهمية دور الشركاء، واستثمار نتائج هذه الحوارات في المرحلة القادمة.
وفي إعداده للخطة الجديدة، يستفيد «المجلس»، أيضا من خبرته في تنفيذ الخطة السابقة، ومن بين أبرز مكوناتها، ما حدث أثناء «جائحة كورونا»، من الحاجة إلى التأقلم مع تداعيات هذه الجائحة، التي استوجبت على الفرق المسؤولة عن وضع خطط العمل بالمجلس، اعتماد منهجية التخطيط الاستباقي تحسبًا لأي أزمات طارئة، وأن تتضمن الخطة الاستراتيجية التنبيهات الضرورية للتقليل من المخاطر، وتبني آليات تنفيذ مرنة، ومبادرات مركزة، وتفعيل الشراكات الوطنية. وكانت المرحلة الأخيرة من الخطة الوطنية لتقدم المرأة البحرينية -وهي مرحلة 2019–2022- قد شهدت إنجازًا بنسبة 73%، وكانت محاورها؛ «استقرار الأسرة، تكافؤ الفرص، التعلم مدى الحياة، وجودة الحياة، وبيت الخبرة»، وكل محور من هذه المحاور تضمن عددا من المبادرات.
علاوة على ذلك، سيمكن الوجود القوي للمرأة البحرينية في السلطة التشريعية، والمناصب الوزارية؛ الخطة الجديدة لتقدم المرأة البحرينية 2023–2030، من تسريع وتيرة الإنجاز، خاصة مع وجود 5 وزيرات في التشكيل الوزاري الجديد، وفوز المرأة بـ8 مقاعد في مجلس النواب بنسبة 20% من إجمالي الأعضاء، و3 مقاعد في المجالس البلدية المنتخبة بنسبة 10%، إضافة إلى 4 نساء بنسبة 40% في مجلس بلدي العاصمة المعين، و10 عضوات في مجلس الشورى المعين بنسبة 25% من إجمالي الأعضاء.
على العموم، فإنه كما مكنت اللجنة التنسيقية بين «المجلس الأعلى للمرأة»، و«السلطة التشريعية»، من إصدار تشريعات بالغة الأهمية على صعيد الاستقرار الأسري، وغيره من محاور خطة تقدم المرأة البحرينية 2013–2022، في مقدمتها قانون الأسرة، وقانون الحماية من العنف الأسري. ومكنت اللجان التنسيقية مع «السلطة التنفيذية»، من ارتفاع نسبة الإنجاز على صعيد التوازن بين الجنسين في كل المجالات؛ فإن هذا الوجود القوي للمرأة البحرينية في السلطتين التشريعية والتنفيذية، سيمكن من إنجاز أكبر في «الخطة الجديدة 2023–2030»، خاصة مع وجود قناعة مجتمعية راسخة بالدور المحوري للمرأة في مسيرة التنمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك