لقد قمت مؤخرا بإعداد دراسة عن العقبات التي تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، وتوافقاً مع معظم الدراسات التي أعدت في هذا المجال، لقد أسفرت الدراسة عن الكشف عن عدة عقبات رئيسية تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحد من نموها، وأهم هذه العقبات هي نقص التمويل.
نسبة إلى مؤسسة التمويل الدولية أن 40% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية لديها متطلبات تمويل غير مستوفاة، ما عدا المؤسسات والجهات الحكومية مثل بنوك التنمية وغيرها من المؤسسات التي تنشئها الحكومات بغرض دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، عادة ما تتبع الكثير من المؤسسات المصرفية نهجا متحفظا عند مراجعة طلبات التمويل المقدمة من قبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. مثلاً في منطقة الخليج يبلغ معدل رفض طلبات التمويل التي تتقدم بها الشركات الصغيرة والمتوسطة تقريباً من 50% إلى 70%، مما يحد من نمو القطاع، وبالتالي نمو الاقتصاد في المنطقة ككل. في هذا المقال سوف نستعرض أهم الأسباب التي تقلل من فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على التمويل اللازم التي أسفرت عنها الدراسة، ليستفيد منها أصحاب المؤسسات.
يرجع ارتفاع معدل رفض طلبات التمويل التي تتقدم بها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من قبل المؤسسات المصرفية لعدة أسباب، بعضها خاضعة تحت سيطرة المؤسسات المقترضة والبعض الآخر خارجة عن سيطرتها. من أهم أسباب رفض التمويل والتي تقع ضمن سيطرة المؤسسات المقترضة عدم اعداد العديد منها التقارير المالية اللازمة، والذي عادة ما تعتمد عليها المؤسسات المصرفية في إعداد تقييمها لطلبات التسهيلات الائتمانية، بالإضافة، إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة غالباً لا تملك أصول عالية القيمة تستطيع أن ترهنها مقابل التمويل. كما تعاني الكثير من هذه المؤسسات من نقص في الكفاءات الإدارية المطلوبة للرد على استفسارات المؤسسات المصرفية المتعلقة بالائتمان. كذلك في كثير من الأحيان لا يفصل أصحاب المؤسسات الصغيرة بين الشؤون المالية التجارية والشخصية، وقد تستخدم الأموال المقترضة من قبل الشركة من أجل تمويل الشؤون الشخصية أو بغرض المضاربة، مما يرفع نسبة التخلف عن السداد.
بالإضافة إلى الأسباب سالفة الذكر، يرجع نقص التمويل التي تعاني منه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الى أسباب خارجة عن سيطرتها، وتتعلق بالبنية التحتية للمؤسسات المصرفية أو البلد، مثلاً لا تملك العديد من المؤسسات المصرفية الهيكل الإداري أو التشغيلي اللازمين لتلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة المصرفية. إن عملية إقراض هذه الشركات يتطلب نشاطاً مكثفاً وقوة عاملة كبيرة، ومع ذلك لا تمتلك العديد من المؤسسات المصرفية القوة العاملة والجهاز الفني القادر على فهم احتياجات القطاع المصرفية وتوفيرها، وخصوصاً أن معظم تكاليف التشغيل لدى المؤسسات المصرفية (على سبيل المثال، تكاليف جمع المعلومات وتحليلها) هي نفسها بالنسبة إلى المعاملات الكبيرة والصغيرة، مما تحتاج إلى تضخم تكلفة تمويل القطاع.
كذلك تعد المؤسسات المصرفية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مؤسسات عالية المخاطر وخصوصاً أن العديد من المؤسسات الناشئة تخرج من سوق العمل في فترة زمنية تتراوح بين خمس الى سبع سنوات، لذلك في حالة الموافقة على الإقراض تقوم المؤسسات المصرفية باحتساب أسعار فوائد عالية تتماشى مع هذا النوع من المخاطر، مما يثقل العملية التشغيلية للمؤسسة، ويزيد من سرعة خروجها من سوق العمل.
بالإضافة إلى أن العديد من دول المنطقة لا تتوافر بها مكاتب ائتمان مختصة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتي عادة ما توفر معلومات عن السجل الائتماني للمقترض والتزاماته المالية، وتعكس قدرته على السداد، ما يزيد من صعوبة إعداد التحاليل الائتمانية اللازمة من قبل المؤسسات المصرفية، وبالتالي يقلل من نسبة حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة على التمويل.
كعادة البحرين السباقة في مجال التنمية، لقد حرصت عند إطلاق استراتيجيتها للقطاع المالي على تضمينها مؤشر أداء يهدف إلى زيادة حصة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتصل إلى 20% من محفظة تمويل بنوك التجزئة بنهاية عام 2025. هذه الاستراتيجية خطوة في الاتجاه الصحيح، ونتطلع أن تكون بشارة خير لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وخصوصاً بعد أزمة كورونا، والتي أثرت بشكل كبير في نمو القطاع، ونتمنى أن تحذو دول المنطقة الأخرى حذو مملكة البحرين. نسبة إلى إحصائيات صندوق النقد الدولي، حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على التمويل اللازم قد يؤدي إلى تعزيز النمو بنسبة تصل إلى 1% سنوياً، ويخلق ما يصل إلى 8 ملايين فرصة عمل في العالم العربي بحلول عام 2025، وهو ما نصبو إليه جميعا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك