يطل علينا شهر مارس حاملا معه ذكرى تأسيس أول صحيفةٍ باللغة الإنجليزية في البحرين عُرفت باسم «ذي آيلندر» (The Islander)، والتي أسستها شركة نفط البحرين المحدودة «بابكو»، وانطلقت في حلتها المميزة كصحيفةٍ أسبوعيةٍ في 29 مارس 1956م.
عندما يتم رصد تاريخ الصحافة في مملكة البحرين قلما يتم الحديث عن الصحافة المحررة باللغة الإنجليزية، وحين يتم الحديث عنها في أسطرٍ معدودةٍ يخطئ البعض حين يذكر أن أول صحيفةٍ باللغة الإنجليزية في البحرين كانت صحيفة «غلف ميرور» (Gulf Mirror)، الصادرة عام 1971م، والتي استمرت في الصدور حتى عام 1987م، لذا يستوجب علينا الوقوف عند هذه المحطة المهمة من تاريخ الصحافة البحرينية لتسليط الضوء عليها.
وضع التاجر والكاتب البحريني عبدالله الزايد اللبنة الأولى للصحافة في البحرين حين أسس أول صحيفةٍ باللغة العربية في البحرين باسم «جريدة البحرين» التي استمرت في الصدور بين عامي 1939 و1944م، لتصبح مصدرًا لتغطية أحداث الحرب العالمية الثانية (1939-1945م).
وكانت إسهامات شركة بابكو عبر العقود كثيرة ومتنوعةٌ منذ أن تم تسجيلها في كندا حين أسستها شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا عام 1929م، قبل أن يتم اكتشاف النفط في البحرين صيف عام 1932م، تبعها تصدير أول شحنةٍ من النفط الخام في عام 1934م، وإنشاء مصفاةٍ للنفط في عام 1936م، واتخذت الشركة من منطقة العوالي مقرًا رئيسًا لها.
صدرت «ذي آيلندر» في شكلين، كان الأول عبارة عن مجلةٍ شهريةٍ استمرت في الصدور منذ عددها الأول في أبريل 1954م حتى ربيع عام 1956م، أما الثاني فاتخذ شكل صحيفةٍ أسبوعيةٍ متكاملةٍ صدر العدد الأول منها في 29 مارس 1956م واستمرت حتى 19 فبراير 1969م.
أشرفت إدارة العلاقات العامة في شركة بابكو على نشر «ذي آيلندر»، وتولى إدارتها حينها كوب كولينز، فيما تم تكليف مهمة تحرير الإصدار لجون هوبر، وكُلف كلٌ من رون ستارتآب وبيل باريت للإشراف على عملية إنتاج أعداد الصحيفة، كما ضمت إدارة العلاقات العامة بالشركة إليها عددًا من المُتخصصين الذين ساهم جميعهم بشكلٍ أو بآخرٍ في الإصدار الجديد.
اتخذ الإصدار الذي ظهر في بدايته بشكل مجلةٍ دوريةٍ من 35 صفحةٍ بمقياس (18x24سم)، ومع حلول شهر أبريل 1955م غيرت «ذي آيلندر» شكلها، فأصبح العدد الجديد مكوّنًا من 28 صفحةٍ بمقياسٍ بلغ (20.5X27,5سم). وعندما اتخذت «ذي آيلندر» شكل صحيفةٍ بحلول عام 1956م، احتوى إصدارها الأول على 6 صفحات بمقياس (28X38سم)، وتفاوت عدد الصفحات الصادرة بين عددٍ وآخر، ففي بعض الأحيان تكونت الصحيفة من 4 صفحات، وفي أحيانٍ أخرى من 8 صفحات، ولكن أغلب إصدارات «ذي آيلندر» في حلتها الجديدة كصحيفةٍ بلغت 4 صفحات.
هدفت «ذي آيلندر» إلى الوصول إلى المُتحدثين باللغة الإنجليزية القاطنين في البحرين، وخاصةً أولئك العاملين في بابكو، واهتمت بنشر آخر الأخبار والأحداث المحلية، وأخبار الشركة، وآخر الاكتشافات الأثرية، والأخبار الرياضية مع التركيز على نتائج فريق بابكو لكرة القدم، ومجموعةٍ من الأنشطة الاجتماعية، من بينها الأعراس.
في نسخة الصحيفة الأولى الصادرة في 29 مارس 1956م، أعلنت «ذي آيلندر» أنها ليست أول صحيفةٍ باللغة الإنجليزية في البحرين فحسب ولكن أول صحيفةٍ باللغة الإنجليزية في الخليج العربي، وتمت طباعة النسخة الأولى من الصحيفة في المطبعة الشرقية بالمنامة.
وفي فترةٍ زمنيةٍ وجيزةٍ تمكنت الصحيفة من بناء قاعدةٍ لها من القراء والمُتابعين، بل زار الصحيفة مجموعةٌ من الطلبة الأجانب الذين كانوا يتطلعون إلى الحصول على فرصٍ للتدريب فيها، ومن بين أولئك كان آلين إس. جونسون، الذي زار الصحيفة في صيف عام 1956م، وقد سعى إلى نيل شهادة الماجستير من كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المُتقدمة في واشنطن.
كتب جونسون عن تجربته مع صحيفة «ذي آيلندر»، وشرح بالتفصيل كيف كانت تُصاغ الأخبار حتى تصل إلى القالب المُخصص لها استعدادًا لنشر الصحيفة. جاء ذلك من خلال ما دوّنه جونسون في مقالٍ نشرته «ذي آيلندر» في 12 يوليو 1956م بعنوان «من طاولة المحرر إلى بريد القارئ»، ويذكر جونسن أنه عادةً ما كان يُلاحظ تكدس الأوراق على طاولة المحرر قبل جمع مادة العدد، فيما تفيض خزينة حفظ الأوراق بعددٍ كبيرٍ من الأوراق والتقارير المكتوبة منها بخط اليد أو المطبوعة.
في الوقت ذاته يقوم هاري هالوز -علاوةً على إشرافه على عملية طباعة الصحيفة- بالتواجد في غرفةٍ مخصصةٍ يتم فيها تحويل الصور المختارة للنشر في العدد إلى نقوشٍ نحاسيةٍ أو كُتلٍ فوتوغرافيةٍ من خلال كاميرا خاصة وأحماضٍ وموادٍ أخرى.
بعدها تُرسل إلى منضّدي الحروف في المطبعة القادرين على قراءة الكلمات بشكلٍ عكسيٍ أو بالمقلوب، والذين يقومون بإجراء التعديلات المناسبة وصفّ المقالات على قالب الصحيفة، ليتم بعدها طباعة مسودةٍ من صفحات العدد وتدقيقها مجددًا حتى إتقان العدد.
بحلول عصر يوم الثلاثاء، وإذا ما سارت كل الأمور ما يرام، تتم عملية قفل شكل الحروف والعناوين والصور بأمانٍ في إطارٍ معدنيٍ ثقيلٍ يؤخذ للطباعة النهائية، لتبدأ بعدها عملية التدقيق النهائية للصفحة الأولى من العدد، ويُمكن لأعضاء الفريق العودة إلى منازلهم في الساعة 6 من مساء يوم الثلاثاء إذا سارت كل الأمور على ما يُرام، أما إذا احتاجوا إلى مزيد من التصويب أو إعادة التصميم فقد لا يستطيع أعضاء الفريق العودة إلى منازلهم حتى اكتمال مهامهم بحلول منتصف الليل.
بعدها يتم إعداد الصفحتين الثانية والخامسة بنفس ما سارت عليه الصفحة الأولى حتى تكون جاهزةً للطباعة صباح يوم الأربعاء، بالإضافة إلى الصفحتين الثالثة والرابعة اللتين يتم الانتهاء من إعدادهما للنشر بعد ظهر يوم الأربعاء، ولا يتبقى حينها سوى عملية الطباعة النهائية للعدد كاملًا، والتي تسبقها طباعة اثنتي عشرة نسخةً من الصفحة الأولى للصحيفة لإطلاع فريق العمل على المحتوى النهائي للصحيفة في الساعة 5 من عصر يوم الأربعاء، وفي بعض الأحيان لا يحصل الفريق على نسخٍ من العدد حتى فجر اليوم الآتي أي في صباح يوم الخميس، ولا يتمكنون من الخلود إلى النوم حتى يطّلعوا على تلك النسخ الأولية من عدد الصحيفة، ومن بعدها ينشغل فريق العمل في التخطيط للعدد الآتي منها!
يتبين مما تقدم حجم المشقّة الجمّة التي كان يتكبدها القائمون على الصحيفة في حرصهم على إصدارها على أتمّ وجه.
صدر العدد الأخير من الصحيفة في 19 فبراير 1969م (المجلد رقم 30، العدد رقم 24)، وظهرت رسالة على الصفحة الأولى من العدد تُخبر القراء برغبة الصحيفة في التوقف عن النشر، والسبب وراء القرار هو تقدم ثلاث جهاتٍ مختلفةٍ بطلب ترخيصٍ لإصدار صحفٍ باللغة الإنجليزية في البحرين، ونتيجةً لذلك لم تعد هناك حاجةٌ إلى مواصلة النشر، ولم توضح الرسالة أسماء المُتقدمين لنيل التراخيص لإصدار تلك الصحف، فيما صدرت ثاني صحيفة باللغة الإنجليزية في البحرين، وهي صحيفة «غلف ميرور» في 3 يناير 1971م، واختتمت «ذي آيلندر» رسالتها في عددها الأخير بتحية لقرائها قائلةً «في أمان الله».
تجدر الإشارة إلى أن صحيفة «النجمة الأسبوعية» الصادرة عن بابكو باللغة العربية قد صدرت في 9 يناير 1957م، أي بعد ظهور «ذي آيلندر»، ومع ذلك تجاوز عمر الصحيفة العربية نظيرتها الإنجليزية، حيث استمرت في الصدور حتى عام 1981م.
تمت إعادة إصدار «ذي آيلندر» على شكل نشرةٍ إخباريةٍ شهريةٍ خاصةٍ بشركة بابكو في 3 يوليو 2011م، فيما أعيد إصدار «النجمة الأسبوعية» في وقتٍ سابقٍ أيضًا على شكل نشرةٍ شهريةٍ في 19 يناير 2011م.
أظهرت «ذي آيلندر» -في شكليها كمجلةٍ أولًا وكصحيفةٍ ثانيًا منذ عام 1954م حتى عام 1969م- ملامح مهمةً من المجتمع البحريني، وأبرزت التنوع الثقافي في المجتمع، وثقافة التسامح التي لطالما عُرفت بها البحرين، وأشارت إلى الأهمية التي توليها البحرين للتنقيب عن آثارها التي تعود إلى التاريخ القديم، فقد استقبل صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، (1942 - 1961م) حاكم البحرين وتوابعها آنذاك، وفدًا ضم البعثة الأثرية الدنماركية للتنقيب، كما جاء في عدد الصحيفة الصادر في 10 يناير 1957م، فضلًا عن تغطية الصحيفة لعددٍ من الزيارات الرسمية لمسؤولين للبحرين.
وتصدّر غلاف «ذي آيلندر» الصادر في ديسمبر 1954م صورةً لبابا نويل ممتطيًا سفينة الصحراء، كما غطت «ذي آيلندر» مجموعةً من الفعاليات المحلية المهمة، والفعاليات الخاصة بشركة بابكو، وأخبارًا عن مستشفى العوالي، وغدت أيضًا مصدرًا رئيسًا لبعض الأحداث الرياضية الخاصة بكرة القدم، حيث كانت ترصد أبرز نتائج المباريات المحلية، إضافةً إلى نقلها لإعلانٍ لمباراةٍ وديةٍ لكرة القدم كانت قد جمعت بين منتخبي البحرين وإنجلترا في 14 نوفمبر 1968م، ورصدت مجموعةً أخرى من الأنشطة الرياضية في مدينة العوالي مثل لعبتي الكريكيت والبيسبول، ومجموعةٍ أخرى من الأنشطة والفعاليات.
{ المدير التنفيذي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك