انطلقَ مهرجان الأفلام اليابانية المواكِب لربيع الثقافة في البحرين يوم الأربعاء 15 فبراير 2023م بعرض فلم «القدر- حكاية كاماكورا» على شاشة إحدى قاعات متحف البحرين الوطني، ويبدو أن «القدَر» اختار أن يتدخَّل في حكايتي لأصلَ مُتأخرةً عن موعد بدء عرض الفلم – السادسة مساءً- ثمانية عشرة دقيقة، وما أن وصلتُ إلى بوابة قاعة العرض حتى أخبرني الموظف أن «العدد مُكتمِل»، ما يعني ألَّا حظ لي بمشاهدة هذا الفلم.
عدتُ أدراجي سريعًا لمُغادرة المتحف، كنتُ أسمع خطوات كعب حذاء أنثوي تحاول الركض ورائي لكن لم أتوقع أن يكون هذا لأجلي إلى أن استوقفتني سيدة يابانية بدا أنها من الجهة المُتعاونة لعرض الفلم قائلةً بمنتهى الرقة والتعاطف: «نحنُ آسفون، آسفون جدًا جدًا.. لقد حضر كثيرٌ من المُشاهدين، وطلبنا منه المزيد من المقاعد لكن لم تكُن هناك فُرصة.. آسفون لأنكِ قطعتِ كل هذا الطريق وجئتِ إلى هنا لمشاهدة الفلم دون أن تتمكني من مُشاهدته».. وقدمت لي بضعة أعداد من مجلة «نيبونيكا- نافذة على اليابان» تطييبًا لخاطِري!
كان مُحرجًا بالنسبة إلي سؤال تلك السيدة الرائعة التي أراها للمرة الأولى عن اسمها، لذا لا يُمكنني تحقيق أُمنيتي بإرسال بطاقة شُكر مكتوبة بخط اليد مع باقة وردٍ تليق بها إلى مكان عملها، لكن ولَعي بالثقافة اليابانية ومُتابعتي لردود أفعال الجهات القائمة على الشأن الياباني خارج اليابان تجعلني أملك ما يكفي من الثقة أن تلك الجهات تقرأ كل مطبوعةٍ رسمية تصدر في بلد إقامتهم سطرًا سطرًا، كلمةً كلمة، حرفًا حرفًا، وإن كان للخبر أو المقال علاقةً باليابان فإنهُ يوضع تحت المجهر ليُقرأ مرَّات ومرَّات كي يتم «اتخاذ اللازم» بشأنه، ومن مكاني هذا أنحني لكم أيها السادة اليابانيون بكُل تقدير، راجيةً منكم الوصول إلى هذه السيدة، ونقل شُكري وامتناني العميق لها، وتكريمها بالطريقة التي تستحقها، مع يقيني أنها تعتقد أن ما قامت به لا يعدو عن كونه جُزءًا من واجبها تجاه موطنها بالدرجة الأولى كما يؤمن كُل مواطنٍ ياباني عظيم، لكنني لا أستطيع نسيان نبرة التعاطُف الصادقة الدافئة في صوت تلك السيدة التي تكبدت عناء اللحاق بـ«إنسانة عادية» مثلي لاسترضائها وتطييب خاطرها رغم أنها لا تعرف من تكون، لم يكُن مُهمًا بالنسبة إليها «من أكون» قدر اهتمامها بـ«المشاعر الإنسانية» لهذا الشخص أيًا من كان، واعتبارها «كُل من يختار القدوم لأجل ما يتعلق بالثقافة اليابانية هو إنسان مُهم لأنه اهتم ببلدنا».
ما لا تعرفينهُ يا سيدتي أن موقفكِ هذا معي، والذي ربما لم يتجاوز دقيقة واحدة، جعل روحي تتعافى من لحظة حُزنٍ أو ألمٍ أو خيبة أو خُذلان صادفتها خلال ذاك النهار، أطبقتُ بأصابعي على أعداد مجلة «نيبونيكا» لأنها الدليل المادي الذي يؤكد لي أنني لم أكُن أحلم بينما كانت دموع الافتتان بتلك اللحظة تسيل على خدي وأنا جالسة على أحد المقاعد المُقابلة للمسطحات المائية في الباحة الخارجية للمتحف، وتعزز يقيني أنني كنتُ أمام نموذجٍ حي من أرض حضارةٍ عظيمة.
شُكرًا جزيلاً للقدر الذي لم يتدخل في «حكاية كاماكورا» وحسب؛ بل اختار التدخل في حكايتي وجعلني أُصادف لُطفك، من الممكن مُشاهدة الفلم ذات يوم بطريقةٍ أخرى؛ لكن تلك الذكرى المُشرقة في قلبي لهذا اللقاء السعيد لا يمكن أن تكون بأي طريقةٍ أُخرى، وشُكرًا جزيلاً لكِ يا سيدتي باللغة العربية، و«أريغاتو غوزايماس» باللغة اليابانية التي ضاعف موقفكِ معي من افتتاني بثقافتها.
zainabahrani@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك